المجازر المريعة والشنيعة التي اقترفتها آلة الحرب الإسرائيلية يوم أمس بقصفها لثلاث مدارس اتخذت منها منظمة (الأونروا) الدولية مآوي آمنة للنازحين من منازلهم من الشيوخ والأطفال والنساء والمدنيين العُزَّل كشفت المستوى المنحط الذي وصلت إليه إسرائيل في حربها الغاشمة التي تشنها على قطاع غزة منذ أكثر من أحد عشر يوماً والنزعة الانتقامية والإجرامية المسيطرة على جنرالات جيشها وقادتها السياسيين الذين استمرأوا سفك الدماء والقتل واستكلبوا إلى درجة أنهم جعلوا إزهاق أرواح الأطفال الفلسطينيين يتصدر أولويات أهداف حربهم الغاشمة على قطاع غزة بدليل العدد المهول من الأطفال الذين حصدتهم قاذفات الطائرات والدبابات الإسرائيلية في هستيريا جنونية وصلت فظاعتها إلى استهداف ثلاث مدارس تضم المئات من هؤلاء الأطفال هربوا إليها طمعاً في النجاة من جحيم المحرقة الإسرائيلية لاعتقادهم أن إشراف منظمة دولية على تلك المدارس سيتكفل لهم بالحصول على الأمن. وفي ضوء ما حدث وما يحدث في غزة من المآسي والبشاعات والجرائم التي يندى لها الضمير الإنساني يتأكد تماماً على أن حرب الإبادة التي تشنها القوات الإسرائيلية على قطاع غزة لا يمكن أن توقفها بيانات الشجب والتنديد والمظاهرات والمسيرات التي تعم عواصم العالم ولا عبارات المناشدة التي تصدر عن قادة الدول الأوروبية وأعضاء مجلس الأمن على استحياء ولا أيضاً "العقلانية الزائدة" التي يتحلى بها النظام العربي الرسمي الذي انتهى به المطاف إلى الاستنجاد بمجلس الأمن رغم علمه أن هذا المجلس أصبح واجهة لتبرير جرائم إسرائيل وانتهاكاتها الممنهجة لحقوق الإنسان. ويكفي أن مجلس الأمن لم يحرك ساكناً حتى اللحظة حيال المذابح الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين والأطفال والعُزل من أبناء الشعب الفلسطيني وكأن هذا المجلس لا يرى ولا يسمع ولا يحب أن يصغي لصرخات المعذبين من القهر والبطش الصهيوني. وببساطة شديدة فإنه لا عمل دبلوماسي ولا تحركات سياسية يمكن لها أن توقف العدوان البربري على قطاع غزة وأن الشيء الوحيد الذي بوسعه إيقاف الغطرسة الإسرائيلية هو الموقف العربي الموحد القادر على فرض تأثيره وممارسة ضغوطه على الكيان المعتدي ومن يدعمه أو يقف إلى جانبه من الدول الغربية. ونحسب أن الخطوة الأولى من هذا التحرك تبدأ بإعلان الدول العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية أو لديها مكاتب تمثيل تجارية إسرائيلية بقطع كل أشكال التعاون مع هذا الكيان الهمجي. وبوسع العرب بالتلازم مع ذلك الإجراء توظيف علاقاتهم ومصالحهم مع الولاياتالمتحدة في ما يدفع هذه الدولة التي تربطها بالدول العربية الكثير من المنافع والمصالح إلى ممارسة نفوذها وضغطها على إسرائيل حتى تتوقف عن عربدتها واعتداءاتها المتكررة على الشعب الفلسطيني والتسليم باستحقاقات السلام العادل والشامل وقرارات الشرعية الدولية وإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية وتمكين الشعب الفلسطيني من نيل حريته وإقامة دولته المستقلة خاصة وقد أثبتت كل الوقائع التي حفل بها الصراع العربي الصهيوني خلال أكثر من نصف قرن أن الولاياتالمتحدةالأمريكية هي وحدها القادرة على زجر النازية الإسرائيلية وإيقاف موبقاتها وأطماعها وكل ما يحفل به سجلها من الإجرام والممارسات القذرة. وقياساً على ما نراه ونتابعه ونشاهده في الفضائيات ووسائل الإعلام من المآسي في غزة فإن التحرك العربي في هذا الاتجاه يمثل الحد الأدنى في هذا الوقت الاستثنائي والعصيب الذي يفرض على الجميع السمو فوق خلافاتهم وتبايناتهم ومواجعهم والارتفاع إلى مستوى الوضع الكارثي الذي يتعرض له مليون ونصف المليون فلسطيني ممن تحصدهم آلة الحرب الإسرائيلية على نحو يستفز ويستنفر كل المشاعر الإنسانية. ولو صدقت النوايا وأخلصت الضمائر فإن هناك الكثير من الفرص المتاحة أمام العرب تمكنهم من صد العدوان وأول هذه الفرص وحدة الموقف حيال العدوان الإسرائيلي على غزة المثخنة بالجراح والمخضبة بالدماء حيث وأن إسرائيل لم تتجرأ على اقتراف كل تلك المذابح والمجازر الوحشية إلا في ظل الخلافات والتباينات التي أضعفت الموقف العربي وأصابته بالوهن والهزال. وفي حال استمرار الوضع على ما هو عليه اليوم فإن التاريخ لن يغفر للعرب صمتهم على تلك المحرقة التي تستعر بها أجساد إخوة لهم يواجهون الحرب الصهيونية بصدورهم العارية وسيصبح كل من في هذه الأمة مسؤولاً أمام الله عن تلك الدماء والأرواح التي أزهقت ظلماً وعدواناً فيما الجميع يقف موقف المتفرج على الرغم بشاعة الكارثة التي ستظل وصمة عار في جبين الإنسانية.