إن المتتبع لمسيرة النضال الوطني الممتدة من ضمير الإنسان اليمني إلى الدروب الملتهبة والشائكة في حياته وتاريخه القديم والحديث.. التهمت تلك الدروب قوافل لا حصر لها من الشهداء والمطحونين ممن سقطوا في خطوط النار وضراوة المعارك وسيوف الجلادين والاختفاءات القسرية والإفقار الإجباري، والغدر اللا إنساني للآمنين هنا وهناك. من هؤلاء الشهداء من أوقف حياته رخيصة في سبيل خلاص الوطن وتحرره، ومنهم من أوقف حياته من أجل الحياة ينقذها من بين مخالب الضعف وجحيم الألم. آخر رقم في هذا الدرب الإنساني الطويل كان الشهيد الإنسان الدكتور درهم القدسي - رحمه الله - وجميع شهدائنا الأبرار، وأرانا العدل والإنصاف الرباني في قتلته ومن تباطأ عن ضبطهم وإحضارهم إلى بلاط العدالة في يمننا الحبيب. إذا كان قيام الثورة اليمنية قد احتاج إلى عقدين وأكثر من الكفاح والنضال والتضحيات؛ فإن بناء المجتمع المدني الديمقراطي الحديث المشبع بقيم العدل والمساواة واحترام حقوق الإنسان وكرامته القائم على أسس الخير والسلام والتعايش الآمن والمستقر والتنمية الاجتماعية قد استغرق منا حتى الآن ما يقرب من خمسة عقود من الزمن الصعب، ومازلنا نبحث في أروقة مؤسساتنا الأمنية، القضائية، الصحية، والتربوية، وغيرها عن إنسانية الإنسان وقيمته الحقيقية في الحياة والخارطة المؤسسية في مرافق الدولة اليمنية الحديثة تلك. شرف وعظمة وقدسية المواطنة تُعد من أهم أسس البناء الوطني، ومن ضرورات المجتمع المدني الآمن المستقر المحمي من الفوضى والعبث والتسيب. لأن العقود الخمسة التي أمضيناها حتى الآن في ترسيخ حق المواطنة الآمنة يجب أن تُؤتي ثمارها في تحمل مؤسسات الدولة المختلفة والمجتمع بكل شرائحه المسئولية الوطنية بحقها، وعدم التساهل مع هذا أو ذاك بغض النظر عن طبقته أو قبيلته ومنطقته. احترام حقوق المواطنين ودمائهم الزكية لا يمكن أن يكون بإصدار البيانات لتبرير التخاذل واللامبالاة في حسم القضايا وتعزيز ثقة المواطنين بقوة وسرعة وهيبة المؤسسة الأمنية، أو تحوير القضية إن تعاطفت معها الجماهير وأحسّوا بمسئوليتهم تجاه صاحبها المقتول غدراً وظلماً حتى لا تتحول الفوضى وقتل الأبرياء إلى سلوك طبيعي تحميه القبيلة وبعض المنتمين إلى مصالحهم الشخصية وليس إلى اليمن الديمقراطي الحديث. علينا ألا نجعل المثل الشعبي القائل: «صلح أعوج ولا شريعة سوا» يفسد عدالة وحسم القضاء واهتمام وتفاني وزارة الداخلية في ضبط المعتدين وتحقيق أعلى مستوى للأمن الاجتماعي، والانتصار الدائم للحياة المدنية ودولة النظام والقانون. وفي المقابل نترك ثقافة التعاطي مع قضايا المواطنين، وعدم الالتفات للقبيلة أو الذين يقفون وراء اختفاء القتلة المجرمين أو التستر عليهم ومن ثم الحيلولة دون وصول الأمن وعدالة القضاء إليهم؛ لأن ذلك يقوّض قيم وأسس اليمن الديمقراطي المدني الحديث الذي تطمح إليه القيادة والشعب معاً.