كلٌ منا له قبيلته التي ينحدر منها، وهي شكل ماضوي تاريخي غير قابل للتجديد والإعادة، وقد تطورت الحياة الاجتماعية في اليمن منذ مئات السنين، تشكلت الدولة وكانت هي الصورة الأكثر إشراقاً وحضارة لليمن، وما عرف للقبيلة على مدار التاريخ اليمني إلا الوجه المضاد للدولة والمفرز للصراع والدمار الاجتماعي. ثورة سبتمبر واجهت غدر القبيلة وتآمراتها مع الأئمة، وعانت من ذلك الولاء للخارج عقدين من الزمن، كان آخر لقاءات التآمر القبلي على الوطن «مؤتمر خمر». اليوم تعود أحلام المشايخ الجدد في «الموفنبيك» بدرجة خمسة نجوم لإعادة ترميم الطاحون القبلي وبنفس الأحلام السوداء، أولئك المشايخ أصبحوا أثرياء إلى حد التخمة وأصحاب شركات ورؤوس أموال واستثمارات ضخمة؛ وكله بحسابه، والله يجازي ويعاقب الذي كان السبب. أعتقد أن اليمنيين لم يعودوا متخلفين وجهلاء وسذجاً حتى ينقادوا للطامحين الجدد، ويستبدلوهم بالدولة وعزة وكرامة الوطن، ولو جاءوا عبر قنوات مدنية من باب استغلال الممكن. تغير الإنسان اليمني، وعيه أصبح قادراً على استرجاع الماضي الدامي، والوقوف أمام الحاضر المستهدف، والعبور بالعمل التنموي والتعليمي والثقافي والعصر التكنولوجي إلى المستقبل الأفضل، والحفاظ على اليمن الجديد الموحد الديمقراطي. الدولة تتحمل مسؤولية تحرير اليمنيين من هيمنة وسطوة وظلم مشايخ القبائل، وفرض الحياة المدنية التي ينظمها الدستور والقانون وليس الشيخ، وخلق وعي شعبي بأهمية وضرورة الدولة، والتماسك الاجتماعي والولاء بعد الله للوطن وليس للقبيلة. ليس بعيداً مع وجود الدعم اللوجيستي أن نسمع في الأيام القادمة عن سلطنة "حاشد" أو "بكيل" أو غيرهما من القبائل أسوة بقبائل الخليج، طالما أن الدولة عاجزة عن تحرير اليمنيين من سيطرة المشايخ وحمايتهم من هيمنة الأموال المشبوهة التي تتدفق إلى أشخاص وتجمعات تعمل ليل نهار ضد السكينة الاجتماعية والاستقرار الوطني، وعدم ترك وعي المواطن وتفكيره للمشايخ المتنفذين والمتسلطين يفصّلونه كيفما يشاؤون وحسب مقاسات مصالحهم وولاءاتهم الخارجية. إننا لا نريد أن يتحول وطننا إلى حلبة للصراعات القبلية والأحلام المجنونة، فلديه من المعاناة ما يجعل أبناءه في صف واحد وهمٍّ واحد، وليس لنا في عودة القبيلة من مصلحة، لأن وراء وجودها الدمار والصراع الذي لن ينتهي، وقد وعى اليمنيون جميعاً حاجتهم إلى وطن موحد آمن ومستقر تسوده العدالة والمساواة والنظام والقانون. معركتنا اقتصادية، وعلينا أن نسارع إليها، وليس للقبيلة حظ لا في حاضرنا ولا مستقبلنا، لأن استفحالها نتيجة متوقعة للفساد وتدميره لحياتنا؛ الفوضى شعاره، وتضييع حقوق الناس هدف؛ وتكريس الهيمنة والثروة في خدمة العنف الاجتماعي طريقه الأوحد. على الدولة ألا تترك الناس أمام خيارين؛ إما الدولة، وإما القبيلة، دولة المؤسسات أو هيمنة المشايخ، القانون أو الفوضى.