إن النضال اليمني على مدار العقود التي سبقت الثورة والتي جاءت بعدها لم يكن لإسقاط الإمام كشخص وإنما لإصلاح الحياة وإعادة بناء النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، على أسس وقواعد مدنية حديثة تستوعب حاضر وحاجات الإنسان اليمني، وتستشرف مستقبله. خطأ كبير أن يظن البعض أن الثورة قامت بجهودها وإمكاناتها وتضحياتها في سبيل إعادة هيمنة القبيلة، وزيادة نفوذها وتوسيع مصالحها واستثماراتها، ومضاعفة قوتها وتمردها على الدولة والوطن. لأن الثورة كانت ومازالت ضد النظام الإمامي وتطاول وعنجهية القبيلة التي آلت على نفسها إلا أن تستعصي على الإصلاح والتغيير، وتظل نقطة الضعف الوحيدة في حياة اليمن واليمنيين. أثبتت الأيام والمراحل أن الدولة والقبيلة ضدان يفتك كل منهم بالآخر، وحياة كل منهما مرهونة بزوال أحدهما، لأن القبيلة والدولة لا يتعايشان، لأن الدولة تنتهج التطوير والتحديث وبناء المؤسسات واحترام قدرات الإنسان وحفظ كرامته وتقديس حرياته، أما القبيلة فتنسحب إلى الجمود والسير باتجاه الخلف واعتماد شريعة الفرد، والتزام ديوان الشيخ كأعظم مؤسسة لديها للأمن وفض الخصومات ومعالجة قضايا الثأر، وتوزيع الضمان الاجتماعي على المقرّبين والمخلصين بدلاً من الفقراء والأيتام والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة!. نصف قرن من الزمن أثبتت سنونه أن الثورة كانت ومازالت ضد الإمام والقبيلة كتجمع لا يخدم النظام والقانون، نجحنا مع الأول ومازال نجاحنا مطلوباً وملزماً مع الثاني إن كنا حقاً نسعى إلى بناء وصناعة اليمن الوحدوي الديمقراطي الجديد. احترامنا لنضال شعبنا يجعلنا نؤمن بالتغيير الجذري للحياة الاجتماعية، لكي توصف بلادنا باليمن السعيد، ويصل كأشقائه وجيرانه الذين كانوا بدواً وقبائل ورعاة وجماعات متمردة للسلب والنهب إلى الدولة الحديثة؛ إذ بمجرد إيمانهم بالتغيير قولاً وفعلاً وممارسة، أعادوا تربية الإنسان، وتجديد وعيه وتفكيره وسلوكه وتطلعاته، ذهبوا بالقبيلة والعشيرة إلى متحف التاريخ القديم للعبرة والتذكير وقراءة الماضي فقط. نجح اخواننا وأشقاؤنا في الدول المجاورة في تغيير الإنسان ونقله إلى القيم المدنية والتعايش مع العصر، فأصبح ولاؤه للوطن بعد الله، وليس للقبيلة والعشيرة والمنطقة والمذهب، واحترامه والتزامه للنظام والقانون والدولة، استحدث في منزله مخزناً للكتب العلمية والمعرفية والوسائل التكنولوجية الحديثة، وليس مخزناً للأسلحة الخفيفة والثقيلة، يستقبل ضيوفه بالقهوة العربية واللوحات التشكيلية الرائعة للفن الوطني، وليس بإطلاق الأعيرة النارية، توحي بأن القبائل في اليمن تحلم بالمشيخات والسلطنات المستقلة. استقرت الشعوب والبلدان من حولنا وذاب الجميع في مؤسسات وطنية، وتغيرت ونهضت وحسنت أوضاع أبنائها، تخلت القبائل والعشائر عن الفوضى وثقافة العشوائىة ولغة الاستقواء ضد الدولة والمجتمع، اندمج المشايخ والرعية في المجتمع الجديد، يفكرون معاً في زيادة دخل الدولة والفرد، واستقطاب الاستثمارات وجذب رؤوس الأموال الشقيقة والصديقة، فاستحقّوا احترام وتقدير العالم لهم، لأنهم استطاعوا أن يحلّوا معادلة التغيير، حين بدأوا بأنفسهم وقبائلهم، اقتلعوا هيمنة المشايخ وتسلّطهم ليقيموا مكانها هيبة الدولة، واعتقدوا تماماً أن ديوان المشيخ لا يمكن أن يكون بديلاً لمؤسسة الأمن، وأن خيمته إن بقيت ستحول دون بناء المدرسة للتربية والتعليم وأندية الثقافة والرياضة والفروسية. فمتى نؤمن بأن الإصلاح بالقبيلة لا يخدم اليمن الجديد والديمقراطية الوليدة؟!.