يبدو أن العالم قد شارف اليوم على الانتهاء من ثورته الإلكترونية والتكنولوجية، لأنه ينحرف اليوم بخط سير هذه الثورة ليحيلها إلى ثورة أخرى يمكن تسميتها “الثورة على الثقافة القبلية وهياكلها الموروثة”. ونحن نحسب أن هذه الثورة الجديدة هي طريق الشعوب التي تعاني من الصنمية والسلالية وتوارث “المشيخ” إلى فضاء الحياة الديمقراطية الخالصة بعيداً عن حبائل “دواوين المشائخ” وتدخلهم السافر في كثير من شئون الأنظمة والإدارات والمؤسسات، فهم يعيقون حركة الحياة محاولين إبقاءها عند نمط الإقطاع الأوروبي أو نظام “المهدعش” القبلي كما في بلادنا اليمن. وعندي أن جمهورية الصين الشعبية هي رائدة هذه الثورة وملهمها الأول، فثورتها الإنتاجية اليوم تسعى إلى تحرير مجتمعات “القبيلة والدولة” من جور الامتيازات والفوارق ونقلها إلى عدل المساواة لاسيما في “المظهر” الذي يعد مصدر هيبة لكثير من متوارثي السيادة أو “المشيخ”، ونحن نعرف أن الإمام أحمد كان يرى في “هيبة المظهر” صمام أمان لإخافة الناس وإقناعهم بأحقية أسرة حميد الدين المتوكلية بالحكم، لذلك فقد كان يظهر للناس بطريقة مفزعة جراء الإسراف في تكحيل عينيه وتوسيع حدقاته عند التحديق فيهم وكذا الإطلالة بعسيب ضخم قد يكون قادراً على ذبح ثور وليس رقبة ثائر فحسب. عندنا في اليمن بدأ الأمر مع انتفاضة الشعب ضد حكم المشيخات والسلطنات في المحافظات الجنوبية واستمر الأمر إلى أن تقلصت حمايتها من قبل حاميها المستعمر ومن ثم ضياع هيبتها التي كانت تقصم بها ظهور العامة حتى رحيلها بقيام الثورة. وبعد قيام الثورة بما يربو على عقد ونيف من الزمان جاء دور “المنتج الصيني” ليكسر احتكار المظهر السلاطيني وتميزه بالفاخر من العمائم والدشداشات والعباءات الملكية، فقد أصبح البسطاء من الناس يتعممون بمثل تلك العمائم فينتصرون للتاريخ والثقافة، فهي لباس اليمنيين كلهم وليس لناس دون آخرين. واليوم ينتهي المطاف بخصائص “المشيخ” ومقومات تملكه بين الأبناء، وهي مرحلة تشير إلى تضعضع مركزية “الشيخ” وانكماش سلطته، وقد تستغربون إن قلت إن هذا بسبب محاصرة الثورة الإنتاجية “الصينية بالذات” لهيبة المظهر المشائخي المتأتية من جمالية “عسيبه” النادر، فالجنبية الصينية اليوم ذات مظهر مهيب وإطلالة “منهجمة”، وهي اليوم تحدث لغطاً في سوق “الجنابي” لأنها ميعت الأصالة في كوم كبير من طحين الحداثة، فخلطت بين القديم والجديد والنفيس والرخيص، والنادر والمعروض، وأظهرت المواطن البسيط بمظهر الهيبة المشائخية، ليصبح الكل سواء في الإطلالة من زوايا الدواوين والمباهاة بأصالة الملبوس من الجنابي وعتاقته. فهل يمكن القول إن كسر “الجنبية الصينية” لاحتكار الهيبة إشارة إلى قناعة إنسان اليوم بعدم صلاحية العرف القبلي لإدارة أمور الناس وفرض سلطته عليهم، وهل هي مرحلة إدراك ووعي بضرورة انفراط عقد “المشيخ” وإخلاء الساحة لربطة العنق وما يتبعها من الهندام الرسمي العالمي ليعيش الناس في ظل هيبة القوانين لا هيبة النمطية القبلية ومشيخها المحتكر.. قد يكون ذلك.. وإذا لم يكن فلا تنسوا أن الاعتداء على قداسة الموروث وخصوصية «القبيلة» إذا كان قد بدأ اليوم بفكرة تاجر يريد الربح، فإنه بالأمس قد بدأ بفكرة ثائر يريد “الشيخ”!!