ليس هناك أبشع من الثأر؛ لأنه لا يعترف بصديق أو قريب، ولا بحلال أو حرام، ولا ينظر إلى أية عواقب أو نتائج، ولا يبالي بما سيخلّفه من أحزان وآلام، ولا بما يفعله في أوساط الأسر عندما يحصد الأرواح بلا رحمة ويزهق الأنفس بلا وازع ديني وبلا ضمير حي.. الثأر مشكلة كبيرة.. يشرد الصغار والكبار، ويصدر الخوف والقلق، ويحول الحياة إلى كابوس، ويقف ضد كل اتجاهات وتوجهات الاستقرار والنماء. منذ زمن ونحن نعمل ضد الثأر ونحاول اجتثاثه من أوساط مجتمعنا.. والجهود التثقيفية والتوعوية مستمرة، والمؤتمرات والندوات متواصلة، ولكن ما نلاحظه أن الاستجابة قليلة جداً، والحلول الكفيلة بنجاح التوجهات تظهر لكنها لا تنفذ أو تطبق إلا في ما ندر. وكما هو معروف فإننا نتلقى ما بين أسبوع وآخر أو شهر وآخر.. وأحياناً ما بين يوم ويوم.. الأخبار التي تؤكد استمرار حوادث الثأر والنصع والنصع الآخر في محافظات محددة، وتشير إلى تزايد قضايا الثأر بشكل يثير التساؤلات عن الجهود التي تبذل من أجل القضاء عليها، وهل هناك مراجعة لجدواها والفائدة التي جنيناها منها. سمعت قبل مدة زمنية طويلة أن توجيهات عليا صدرت لتشكيل (لجنة وطنية عليا) للنظر في قضايا الثأر وأسبابها ووضع حلول كفيلة بإنهائها؛ أو بالحد منها على أقل تقدير. وعرفت أن لجاناً أخرى ستُشكل في إطار كل محافظة وتتبع اللجنة العليا للعمل بشكل جماعي ومتواصل لمحاربة الثأر.. ومع كل ذلك مازلت إلى اليوم أبحث عن نتائج أو حتى خطوات عملية تمت في إطار تلك التوجهات.. ولا أجد أي جديد!!. الجديد الذي يأتيني كما يأتيكم أن عدد القتلى في حوادث الثأر يتضاعف.. وأن كثيرين ممن يبحثون عن غرماء لهم لم تعد محافظاتهم أو قراهم مكاناً أو مسرحاً للثأر؛ وإنما أخذوا يرتبون أوضاع إهدار الدماء الطاهرة والمحرمة في عقر دار الدولة، حيث تكررت حوادث القتل في قضايا ثأر داخل شوارع رئيسية ومهمة في أمانة العاصمة. وهذا الأمر يستحق الوقوف عنده باهتمام لمعرفة أسبابه.. ولماذا يجد البعض الأمر سهلاً للأخذ بثأرهم في العاصمة صنعاء، وأحياناً في الشارع الذي تقع فيه وزارة الداخلية. ؟! الكارثة الأخرى هي أن الثأر هذه الأيام لا يفرق بين صغير وكبير.. ولا يعفي شباباً متعلمين ليس لهم في الثأر يد ولا ضلع من أن يتحولوا إلى ضحايا له بسبب أنهم ينتمون إلى إحدى قبيلتي أو أسرتي قضية الثأر!. تخيلوا.. طالب جامعي يكره الثأر وسنينه؛ ومع ذلك تزهق روحه وإلى جانبه أحد زملائه قام بإيصاله على سيارته؛ وانتهى الأمر بقتلهما؛ الأول قُتل كبديل لأحد أبناء قبيلته، والثاني قتل لأنه زميل فقط!!. صحيح أن تعطيل أحكام القضاء هو من الأسباب الرئيسية لاستمرار قضايا الثأر.. والأصح - أيضاً - أن غياب تطبيق سلطة القانون من الأسباب المباشرة؛ ولذلك لا نجد من يمنع ويعاقب ويحدد الخطوط الحمراء الممنوع تجاوزها، ونجد من يصل إلى حد أخذ الثأر داخل العاصمة. الكلام كثير، وحكايات الثأر التي تدمي قلوبنا لا تتوقف، والحلول بيد سلطة الحزم والمنع والردع وتطبيق القانون وبيد قضاء النزاهة والعدل، وبأيدي الوجهاء والمشائخ والمثقفين ليقفوا صفاً واحداً ضد هذه الآفة الخطيرة. وقبل وبعد كل شيء؛ أمر الثأر مرتبط بشكل مباشر بالعدل والإنصاف سريعاً.. لا بعيداً.. وعاجلاً لا آجلاً!. [email protected]