أكد الباحثون أن العلاقات الاجتماعية مفيدة للقلب، وكشفت دراسة أن من لا يحظى بمثل تلك العلاقات الوثيقة أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب وتصلب الشرايين.. ربما أميل كثيراً إلى تصديق هذه الدراسة لاعتقادي أن العلاقات الاجتماعية من عدمها تنعكس تلقائياً سلباً أو إيجاباً على المشاعر الداخلية للإنسان، وتحقق التوازن النفسي الداخلي عبر إيجاد علاقة اجتماعية متينة ليتسنى للمرء أن يشعر بالشبع الروحي الذي يفتقر إليه، وتقلل من حدة الضغط والتوتر العصبي، وتؤثر تأثيراً مباشراً في سلوك الفرد وتطلعاته ومدى قدرته على مواجهة الحياة بثقة وأمل كبير، وتفتح نوافذ للتغيير نحو الأفضل. من يوم لآخر تتباعد العلاقات الاجتماعية وتتقلص فيما بين البشر، وتفرق ظروف الحياة في عصرنا الحالي بين الأهل والأحباب والأصحاب، وتتعذر ترسيخ وتدعيم العلاقات الحميمة، وبمرور الزمن تغدو الرتابة هي السمة الرئيسية للحياة بين الناس، فلا يعد هناك من أحد قادراً على أن يسمع أحداً، ويؤدي ذلك إلى أن تتعاظم عند البعض مشاعر الافتقاد والاحتياج العاطفي وفقدان البهجة والرضا والارتياح وينمي الشعور بالاغتراب عن الحياة والإحساس أنها صارت قاسية وغير ممكنة بدءًا من العلاقات الأسرية، وصولاً إلى علاقات العمل والدراسة والأصدقاء والجيرة ومجمل أنواع العلاقات الإنسانية الأخرى المختلفة. وفي محيط الأسرة أصبحت العلاقات إما يلفها العنف أو الصمت والتجاهل وانعدام لغة الحوار والإصغاء الجميل الذي يمنح كل طرف للآخر الفرصة كي يحيا بعضاً من أحلامه وأفكاره في حوار صادق وعميق يفتح القلوب بين الأزواج وبين الآباء والأبناء، فقد أصبح الجميع مشغولاً في زحمة العمل واللهث وراء الدنيا والمصالح وتحقيق المكسب حتى إن أغلب العلاقات الاجتماعية ضمن سياقاتها المألوفة لم تعد مشبعة لأطرافها، وهذا الافتقار للجانب الروحيّ بسبب تفسخ العلاقات الاجتماعية خلَق جواً قاتماً من العزلة وتزايد الشعور بالوحدة، وبات أمراً حتمياً أن يبحث كل إنسان عن ملجأ نفسي يركن إليه ولو كان مخالفاً للعقل والشرع. كل ما يرغبه الإنسان فقط أن يتحدث ويبوح بما يعتمر بداخله من مشاعر وأفكار ويناقش ويستشير ويفضفض ويفرّغ انفعالاته - مفرحة كانت أم محزنة - بعد أن ضاق بها صدره ليخفف عنه ويريح نفسه فلا يجد أحداً من حوله يسمعه ويغمره بالدفء فيبدو تائهاً ضائعاً باحثاً عن شخص ما يسمعه ومساحة بسيطة للبوح حتى يتهيأ بعدها لنوم عميق وأحلام يتوسم أن تكون سعيدة. في خضم البحث عن عالم آخر من الحوار والاستماع والإحساس بالأمان ظهرت بعض البدائل لتغطية الخلل النفسي والاجتماعي وتفشت ظاهرة الحديث مع بشر قد لانعرفهم ولا يعرفونا، وقد تكون تلك البدائل شاذة وغير مرغوبة؛ كونها خروجاً عن الحدود والقيم الأخلاقية كمثل المحادثات التليفونية لأطراف غير معلومة لبعضها البعض وأيضاً الدردشات على الإنترنت وجميعها لا تتعدى؛ كونها متاجرة بحاجة الناس ورسخت التباعد الاجتماعي أكثر من قبل وأصبح الجميع مشدودين من آذانهم كل إلى عالمه أمام التليفون أو أمام الإنترنت لإيجاد من يسمعه. [email protected]