عندما وظّف الله آلية «دفع الناس بعضهم ببعض» لمنع فساد الأرض؛ كان ذلك لحكمة منه، وعندما يضيع حق الإنسان في الشكوى؛ ففي ذلك إعاقة كبيرة لهذه الآلية.. بين يدي ملف قضية المواطن العميد سيف محمد غالب، وهو ينتمي إلى المؤسسة العسكرية، هذه المؤسسة التي ضحّت وتضحي من أجل الوطن واستقراره.. فقد تواصلت عطاءات هذه المؤسسة من خلال أبنائها عبر أجيال متعاقبة، وسلم كل جيل راية الوطن لمن يليه، فمنهم من قاوم الاحتلال البريطاني، ومنهم من قاوم الإمامة وعاش سنوات الثورة بإنجازاتها ومعاركها، هناك من خاض حرب 94م حفاظاً على الوحدة ودفاعاً عن سيادة الوطن. والعميد سيف من الذين كان لهم الشرف في الدفاع عن صنعاء يوم حصار السبعين، وهو الذي ناضل في جبال شرعب والعدين يوم كانت الجبال تشتعل ناراً من قبل ما كان يسمى ب«الجبهة الديمقراطية» وكان واحداً من الذين دافعوا عن الوحدة في 1994م؛ ولأنه ينتمي إلى المؤسسة العسكرية، هذه المؤسسة المنوطة بحماية الوطن والمواطن فقد تعلم معنى المواطنة ومعنى المدنية وهاهو اليوم يعاني من الصراع بين القانون والفوضى. وما تعرض له هذا المواطن يعد جريمة متكاملة الأركان، فقد تعرض لأفعال وتصرفات مؤثمة يعاقب عليها القانون، فهو بعد اثنين وأربعين عاماً من العطاء اشترى قطعة أرض وقام ببنائها إلى مستوى السقف بموجب الرخصة الممنوحة له من مكتب الإنشاءات والإسكان والتخطيط الحضري، وبعد أن استكمل البناء تم الاعتداء عليه من قبل أحد المتنفذين وحاول اغتياله كما هو موضح بالمحاضر والشكاوى المدونة في أقسام الشرطة وإدارة محافظة تعز. وبالرغم من توجيهات فخامة رئيس الجمهورية وتوجيهات الأخ محافظ محافظة تعز السابق والحالي بضرورة ضبط الجناة إلا أن شيئاً لم يحدث حتى الآن، فقد ورد في توجيه الأخ حمود خالد الصوفي ما يأتي: «الأخ مدير الأمن الأخ مدير الشرطة العسكرية المحترمون قد تكررت التوجيهات والموضوع ضبط معتدٍ على ضابط أمن، ولا ندري أي لغة أو حافز سيحرّك دوافع المسئولية لإنصاف مواطن يستنجد بالأمن ولا مجيب.. والله المستعان». والملف الذي بين أيدينا يمثل انتهاكاً واضحاً للنظام والقانون وحقوق المواطن واستباحة لكرامته، وتكشف هذه القضية التي بين أيدينا الفرق بين عقليتين وبين نمطين من التفكير؛ بين عقلية العميد ابن المؤسسة الأمنية الذي يحترم القانون، وعقلية المتنفذ الذي يريد نشر الفوضى، بين عقلية الاستناد إلى العقل والقانون وعقلية الخروج على القانون. ولا توجد حجة قانونية أو أخلاقية أمام ذلك المتنفذ تبرر مثل هذا السلوك خاصة عندما يتم الاعتداء بالقوة على رجل لا يردعه سوى العقل والمبادئ التي تعلمها داخل مؤسسته التي أفنى فيها زهرة عمره. ويزيد من حدة المشكلة أن محافظة تعز لا تحتمل إثارة فتنة جديدة؛ خاصة أن دم الشيخ عبدالسلام المخلافي لم يجف بعد، وقضية نهب الأراضي قد فتحت جرحاً في بعض المحافظات لم يندمل بعد. لقد تصرف العميد سيف بحكمة واتخذ سبيله إلى حماية حقه بطريقتين هما: الشكوى لفخامة رئيس الجمهورية الذي وجّه المحافظة باتخاذ اللازم، والطريقة الثانية اللجوء إلى القانون، وقد حصل على أوامر قهرية من قبل النيابة بإلقاء القبض على المعتدين وإحضار السيارة التي كانت تقلّهم وتحمل رقم «1/1161». ونحن نعلم أن التباطؤ في الانتصار لحقوق الناس يؤدي إلى فوضى عارمة، فالأرض هي جزء من التكوين الذاتي والاجتماعي، ولا نريد أن تتحول الأرض إلى موطن للفساد أو البغي: [ولا تطيعوا أمر المسرفين، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون] الشعراء «151 - 152». والمطلوب هو الأخذ على يد هؤلاء الذين يستخدمون سلطاتهم في تعزيز حالة التشظي والاستحواذ على حقوق الآخرين بالقوة دون اعتبار لنظام أو قانون؛ لأن ذلك قد يدفع المظلوم إلى حالة من حالات التمترس ومواجهة القوة بالقوة. ما يذهلنا في هذه القضية هو عدم احترام القانون؛ والمضي في ممارسات تزيد من تعقيد الواقع المشحون في طول البلاد وعرضها، ومازالت بعض العناصر تملك فتح الاعتماد الفوضوي لزبائن البلطجة والتعدي على حقوق الآخرين والاستخفاف بالنظام والقانون. أوليس هذا هو خطر الاستهداف لحقوق المواطنة وتهديد أمن واستقرار المحافظة ؟!. وبانتظار خطوات الأخ محافظ المحافظة نضع بين يديه توجيهات فخامة رئيس الجمهورية للحكومة وقيادة المحافظات بمعالجة قضايا الأراضي وضبط المعتدين أياً كانوا ودون استثناء. لقد ضاعت من قبل حقوق عديدة، ونحن اليوم أمام فرصة سانحة لرد الاعتبار لأصحاب الحقوق، ولا شيء أمام ناهكي حقوق الغير سوى الإفلاس الذي لن يتمكنوا من سداده أمام القانون بعد أن تفاقمت فواتيرهم. إن المحافظ أمام فرصة سانحة لإرساء دعائم القانون، وسيلتف حوله كل المظلومين وكل المناصرين للحق والعديد من القوى المحبة للاستقرار في هذه المحافظة المسالمة والتي قدمت دروساً في المدنية ينبغي الاقتداء بها، ولا أجانب الحقيقة إذا قلت إن الحديث عن المواطنة لا يستقيم مع اغتصاب حقوق الغير. إن استمرار محافظة تعز في البقاء ضمن المجتمع المدني لا يكون إلا عبر التخلي عن الاستحواذ على حقوق الآخرين، والتخلي عن العصبية المتضخمة لدى البعض، ومنع التناحر، وتأكيد حقوق المواطنين بقوة القانون. إن حل مثل هذه المشاكل سيسهم في تحصين المجتمع ضد أي إثارات قد تعرض النسيج المجتمعي للتناحر والصراع. لا شيء ينقصنا سوى تطبيق القانون، وكل التجارب الإنسانية في الحياة تؤكد أن إعمال القانون لا ينشأ من فراغ، ولكنه ينبت وينمو وينطلق في ظل مقومات أساسية أهمها أن يقوم المكلف برعاية المواطنين بتطبيق القانون وردع الخارجين عليه. إن إنصاف سيف محمد غالب يظل دعوة مجردة خالية من أي مضمون ما لم يقم المحافظ بإلزام الجهات المسئولة بتطبيق ما ورد في توجيهات الأخ رئيس الجمهورية وما ورد من النيابة العامة. ويظل الضعيف أمام القانون قوياً حتى يأخذ حقه، والقوي ضعيفاً حتى يُؤخذ منه الحق.