أليس فناناً تشكيلياً مبدعاً ذلك الذي يزخرف حياته باليقين وينمنمها بالرضا ويوشّيها بالصبر ويؤطرها بالأمل؟! أليس فناناً ذلك الذي يلوّن حياته بزرقة البحر وبياض الثلج وحمرة الورد وخضرة الشجر..أليس فناناً ذلك الذي ينسق فكره ليكون واسعاً كالمحيط، رقراقاً كالنهر، جميلاً كالقمر، هادئاً كالليل رشيقاً كالفراش، رائعاً كوجه الأم، منيعاً كصدر الأب.؟ أليس فناناً ذلك الذي يخطو بصمت نحو باب الحب يشدو بعمق على سُلّم الوجد يسابق عقارب الوقت ليمر على صراط الحزن بلا نحيب يغسل عينيه بماء الجرح ليصنع من أحزانه باقة فرح، ويطير مع أسراب السحاب ليحمل ماء الحياة إلى أرض السراب علها تخضر أو يلقي بذور الأمل على الأرض البور علها تزهر.؟ أليس فناناً ذلك الذي ينمنم الأحجار جنباً إلى جنب ليبني جداراً منيعاً بينه وبين عيون البشر ويزخرف شباكه بألوان الفضاء لتشرع حياته بالسمو والرقي وحب الوطن، يطرح عن كاهل الأيام ثقيلها، يجفف عن خد اللحظات دموعها.. يستوطن قرص الشمس ليصنع الدفء.. يخبئ قلبه بين كفيه ليداعب براءة الأطفال فيه، يمضي على طريق الحياة حافياً مما يثير حوله زوابع كاذبة، يسوق أمنياته على عجل من الدهر، يساوره الشك في الأفول فيدب على أرض العطاء ينسج بيديه جبال الإصرار ويحطم تلال التخاذل ويبني على كتفيه صروحاً شامخة للبقاء شريفاً، حراً، لاتقهره الفتن؟ أليس فناناً هذا الذي تعشش أسراب الطيور على راحتيه لتضع بيوضها آمنة يمتص رحيق الأزهار عن حقول الوجد ليضع عسلاً حلواً يلعقُ شهدهُ كل من أراد البوح.. أو أصابته نفحة من أنين الروح.. أليس فناناً ذلك الذي بيديه تسير دفة السفن وبصدره الرحب يصد أعتى موج وبقدميه الراسختين على ساحل الحرية ترسو شواطئ السعادة على ضفة محيط الحياة.؟! نعم.. إنه فنان تشكيلي رائع هذا الإنسان اليمني الذي يصنع وطنه ويصنعه الوطن، في كلٍ منهما استشرى حب للآخر، روح الجسد وجسد الروح، في هذا الوطن الكبير والإنسان الأكبر تضيع معالم التهميش والترميز والتشطير ويتوحد وطن كل مافيه جميل إلا أن يُشطر.. رقيق إلا أن يعفر في تراب الحروب.. نقي إلا أن تشوبه الخيانة.. بهي إلا أن تتلبد على جبهته غيوم الغدر.. هذا الوطن الذي يحيطنا ونحيطه يسقينا الأمن ومن حقه علينا أن نسقيه الأمان.. يبادرنا بالعطاء فمن واجبنا أن نرد له يداً بيد من خيره وسلامه وأمنه وبركاته. قبّلوا هامة الوطن كل صباح كما تقبلون هامات والديكم وامسحوا على صدره بحنانٍ كما تمسحون على صدور أطفالكم واعشقوا ترابه كما تعشقون أحبة في قلوبكم.. اصنعوا من حبكم لأوطانكم معجزة تنقذ هذا الوطن ممن يريدون وأد حضارتنا وقتل حرياتنا وإزهاق أرواحه البريئة بلا ذنب يذكر، وإنما حين يصبح حب الوطن جريمة في عيون المرضى بالانفصال فإننا نقسم أننا سنُحبّه أكثر.