ما من قضية وطنية أو تنموية يمنية واجهت البلد إلا وأطل السادة المسئولون عبر المنابر الإعلامية ليلخصونها بأنها مشكلة نقص في الوعي، ثم يؤكدون ضرورة التوعية فيها، غير أن أحداً منهم لا يجرؤ على القول: مَنْ سيتولى التوعية؟ وكيف؟ وبأي اتجاه ستكون التوعية!؟ وماهي خطة وزاراتهم أو إداراتهم للبرنامج التوعوي..؟! منذ سنوات واليمن تواجه أزمة مياه، والمسئولون لايفوتون فرصة دون حقننا بجرعة قلق مضاعفة حول كارثة جفاف قادمة تقتل الحرث والنسل، غير أنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء تنفيذ حملة توعية وطنية بترشيد استهلاك المياه، وكيفية الاستفادة القصوى من أقل كمية ممكنة.. لكننا تعودنا سنوياً أن تقيم وزارة المياه والبيئة احتفالاً في اليوم العالمي للمياه، وتختار له صالة أحد الفنادق، وتدعو له شخصيات سياسية ومدنية ملمة بكل تفاصيل المشكلة، فيما يبقى الجاهل جاهلاً بالأمر، وتبقى ربات البيوت في المطابخ يعبثن بالمياه كيفما اتفق معهن، لأن الجهات المختصة عاجزة عن إيصال صوتها إلى داخل البيوت. في بلدان أخرى تواجه مشاكل وطنية بحجم مشكلة المياه تجد أن الدولة تسخر كل إمكانياتها وطاقاتها من أجل التوعية.. فتراها تكتب الإرشادات التوعوية، ورسائلها التي تعتزم ايصالها للمواطن على أغلفة علب المياه والعصائر، والسجائر، ودفاتر وكتب التلاميذ، ولا تترك مصنعاً وطنياً إلاّ وطلبت منه التعاون بكتابة بعض الإرشادت على منتوجاته.. أما الفضائيات ووسائل الإعلام الرسمية فهي تلجأ لمختلف الطرق الفنية لبث لقطات إعلانية توعوية. يبدو أن حالنا مختلف، فكل الوزارات والمؤسسات تواجه المشاكل من هذا النوع بخطابات منبرية لا يسمعها إلا من حضر ندواتها.. ثم دعوات شفوية لوسائل الإعلام بالتعاون في التوعية، ومن غير حتى أن تقول لهذه الوسائل ماذا تنشر، وماهي الشعارات الرسمية المعتمدة، وماهي المعلومات التي تريد نشرها وبأي أسلوب يمكن إقناع المواطن بها؟. ولعل الظريف في الأمر هو أن الدولة تدفع ثمناً لكلفة أية دعاية تعبوية تبثها فضائياتها رغم أن هذه الفضائيات ممولة من الدولة نفسها، ورغم أن الغاية من الدعاية تعبوية وطنية عامة تعود على البلد كاملاً بالمنفعة، وليست لصالح جهة تجارية. ولعل مشكلة المياه ليست هي الأزمة الوحيدة التي لا تجد من يقود حملتها التوعوية.. فهناك أزمة الكهرباء التي لم يسبق للوزارة المعنية أن وزعت منشوراً خلف الفواتير ينصح الناس بكيفية ترشيد استهلاكها، وأهمية ذلك في تقليص ساعات الإطفاء، وتحثهم على إصلاح الربط العشوائي وغير الآمن وغيرها من الإرشادات المهمة.. وهناك أيضاً مشاكل صحية موسمية، وقضايا تعليمية، وأخرى مرتبطة بالولاء الوطني وجميعها بحاجة إلى حملات توعوية، وكل المسئولين يؤكدون ذلك في كل مناسبة وبدون مناسبة، لكنهم ينسون المبادرة إليها أو أنهم ينتظرون أن يبعث لهم الله من السماء من ينوبهم في القيام بها.. فما أغرب هذا الخمول في المشاعر تجاه القضايا الوطنية العامة، ومن جهات الاختصاص بالدرجة الأولى.. وكفانا الله شر الندوات والمؤتمرات التي يعقدونها في صالات الفنادق.