للإنسان قيمة كبيرة وهي ليست قيمة مادية في كل الأحوال ولا ينبغي ان يكون ثمن الانسان نقوداً كما يفهم البعض، ويجري التعاطي معه على هذا الأساس المختل، حيث تتعدد المعايير وتختلف، فلا تنصفه من ظلم الاثمان سوى القيمة الانسانية وحدها وهي الأسمى من كل ماعداها.. أعطي الانسان قيمة مادية بالدينار والدرهم وبالعملات الأخرى التي كانت سائدة في زمن الرق والعبودية حيث كانت أسواق النخاسة وبضاعتها البشر، فلا كرامة ولا حقوق تضمنها تلك الأسواق أو التجار الذين كانوا ينظرون للعبيد والمماليك كسلعة. وفي التفاصيل حكايات كلها بؤس وأشياء تقشعر لها الأبدان الانسانية بمشاعرها وأحاسيسها.. في هذا العصر نستطيع القول: إن اسواق بيع البشر لم تعد قائمة على النحو المذكور في كتب التاريخ وإن أخذت العبودية أشكالاً جديدة وارتدى الاستعباد أقنعة عصرية ليبقى الانسان في أحيان كثيرة وفي أماكن متفرقة رهن الثمن والقيمة المادية التي تقل وتتلاشى ليصبح الانسان بلا ثمن ولا فرق بين حياته وموته ولا فرق بين سعادته ومعاناته.. هذا الأمر أوصل الإنسان إلى اللحظة التي يجد نفسه أسيراً لرغبات وأهواء غيره من البشر فيقتل بدم بارد أو يموت جوعاً وسواه إليه ينظر ولايحرك الأمر ساكناً في قيم وأخلاق وضمائر الناظرين الذين وضعوا له قيمة مادية تساوي صفراً، ومن كان الصفر قيمته فلا شيء يمكن أن ينصفه ولا أحد يمكن أن يحس بمعاناته وآلامه. هذا الوضع واحد من بدائل أسواق الرق التي كانت، غير أنه بلباس عصري يصعب فهمه وتمييز ملامحه إلا من خلال مشاهدة مايحدث للبشر هنا وهناك ومايحدث ليس سوى نتاج لقيمة الانسان وأهميته في الثقافة والسياسة معاً.. يقتل الناس عبثاً مع علم القاتل أو القتلة ببراءة المقتول لكن من مبدأ أن للحرب ضحايا وماأكثر ضحايا الحروب على هذه الطريقة وعلى هذا المبدأ اللعين. ومن مبدأ آخر هو أسوأ من سابقه وهو لابد للمصالح من ضحايا وتحت مظلة المصالح تجري المذابح، ويصبح الكثير من البشر بلاثمن تطحنهم جنازير المصالح وهي عابرة أو تدفعهم نحو أسوأ الخيارات والمغامرات غير آبهين بحياتهم وقد أصبح الواقع لا يطاق، فهانت عليهم كل المتاعب والأخطار المتوقعة وظنوا أن لاشيء أسوأ مماهو قائم، وكثيراً مادفع هؤلاء وأولئك حياتهم ثمناً وهي كل شيء بالنسبة لهم ولاشيء بالنسبة لغيرهم. لم يشهد التاريخ المعاصر ماهو أسوأ ممايحدث في الصومال وماحدث للصوماليين منذ سنين عديدة بدأت بالحرب الأهلية واستمرت وفقد الانسان الصومالي قيمته في نظر النظام العالمي وفي نظر أمراء الحرب الذين تعاقبوا على المشهد طيلة هذه السنوات. لقد فقد المجتمع الدولي عرباً ومسلمين وأوروبيين وغيرهم شرقاً وغرباً قيم الانسانية التي يتحدثون عنها في كل المحافل والمناسبات حين وقفوا أمام هذه المأساة الانسانية بصمت غير مبرر، فتدهورت الأوضاع في الصومال تباعاً وكل يوم يفقد الانسان الصومالي قيمته ليس اختياراً وأصبح حديث الموت هناك اعتيادياً وتوسعت دائرة الموت حين أغلقت كل الحدود والأبواب وفتح البحر شواطئه وأعماقه للهاربين وخدعهم بالأمان وقبل هذا خدعهم تجار الارواح الذين بلطوا لهم البحر أوهاماً ورموا بهم في لجة البحر بلا ثمن وكأنهم حين يلقون بهم ليسوا بشراً. هكذا هي قيمة الانسان، وهكذا هم دعاة حقوق الانسان والحرية في الشرق والغرب يستمعون للأخبار وهي لم تحص كل من ابتلعتهم بطون البحار وأكلتهم الحيتان.. خلال الأيام الماضية اشترك البر مع البحر وكشف البر عن جثث كثيرة لصوماليين تساوى الموت لديهم والحياة فهربوا من الموت إلى الموت.. الموت هو الحاضر الوحيد معهم ليضع حداً لمعاناتهم رحمة بهم بينما الحياة والناس والعالم أجمع يتناقلون الأخبار.. لماذا سمح ويسمح العالم بهذا الوضع ؟لماذا أصبح الانسان بلا ثمن في حضرة الحضارة والحقوق والحريات؟ متى سينتصر هذا العالم للقيم وللانسانية ويتدخل ليقول كفى من أجل قيمة الانسان الذي يموت في البحر والبر أسوأ موتة ؟؟!