بدون أن يطلب منه أحد ذلك عرّف الشاب بنفسه بأنه بلطجي، هكذا قال, فقال أحد الركاب: يبدو عليك ذلك, وأيده اثنان آخران، أما الراكب الآخر فقال: كيف تحكمون عليه بالبلطجة ولم نر منه ما يدل عليها كاسم أو وصف لما يمارسه، فرد عليه أحد المؤيدين للوصف الذي يستحقه بأنه هو الذي سمى نفسه بلطجياً وحركاته المجنونة بفعل حشوة القات الزائدة في فمه، بحيث بدأ كالمجنون، وما كل مجنون يتصرف تصرف البلاطجة، اذا فمعظم هؤلاء الذين يغطون على عيوبهم بحركات يعرفون جيداً أن العقلاء يستهجنونها جداً، لكنهم أو بعضهم لايملكون الشجاعة ليقولوا للبلطجي بلطجي بصوت واحد.. فقد يفكر من يحب أن يظهر بلطجياً وهو غير مقتنع بذلك بأن هذا الأسلوب لاينفع أما أحدهم فقال لايؤكل عيشاً. فكيف يمكن أن تتصور أن البلطجة تؤكل عيشاً كما لو كانت حرفة يمارسها إنسان طبيعي متوازن بعمل بكل جهده وحواسه ليبدو أفضل من غيره، فلا يبالغ في الشذوذ بالمظهر أو البذاءة في الكلام أو يحشر نفسه فيما لايعنيه كقول أحد الركاب إن هناك من يعرض شهادة الزور كمن يشتريها وما على طالب شهادة الزور إلا أن يلقنه الكلام الذي يريد ويورد وصف الغريم وتفاصيل ونوع القضية التي يتنازع فيها مع غريمه. وهنا أتذكر أن أحد أعضاء الدائرة الجزائية في محكمة استئناف إحدى المحافظات شكّ بأن الشاهد الذي جاء به أحد الأطراف، أي الغرماء يعرف القضية أو تكون له معرفة بالغريمين، فلما طلب منه أن يذهب إلى القفص الذي يوجد بداخله أكثر من متهم ويمسك بيد الشخص الذي جاء ليشهد عليه بأن هو القاتل فأخطأ وذهل الحاضرون وتوقعوا أن تجرى له ولمن جاء به محاكمة مستعجلة إلا أن الوساطات تحركت من مكان بعيد ووصلت إلى حد التدخل في شؤون تلك المحكمة وضد رأيها الذي كان قرر اجراء الحد عليهم في أقرب وقت ليكون عبرة للآخرين. هذا البلطجي ورط نفسه بكل فخر كما قال واصفاً نفسه بالشجاعة على استفزاز يعترض عليه طالما لم يلحق أذى أو يعتدي بمعنى الكلمة على أحد، وقد لاحظت أحد الركاب «مطنناً» كما يقول أو يقال على من يضع يديه على خده وهو ينظر إلى شخصين أو أكثر يتعاركان بالكلام الجارح الذي يختتم بالاشتباك بالأيدي لطماً وطعناً ورجماً.