أي مجتمع من المجتمعات لابد أن تكون له مرجعية تمنع فيه الانفلات وتضبط مساره في التعامل مع الحياة. ونحن اليمنيين في هذا البلد الطيب، مرجعيتنا هو الاسلام نأخذ ما آتانا وننتهي عما نهانا عنه، لانستطيع الخروج عن تعاليمه إلا في حالة ضعف أو غفلة أو جهل لأن ذلك غير مسموح به شرعاً وقانوناً وأخلاقاً.. وقد جعل الاسلام العقيدة أساساً للنظر فيما نقبله أو نرفضه من شئون الحياة في قضايا الانسان والوطن.. كما جعل العقل المنضبط بنور الشرع وهدايته خادماً للعقيدة منفذاً لمقاصدها، مقيماً على خدمتها محققاً أهدافها. فإذا وجدنا اليوم من أبناء جلدتنا من يريد أن يغرد في سرب غير سرب الجماعة التي تتخذ من الاسلام عقيدة ومنهجاً في التعامل مع شئون الحياة، لأن مزاجه وهواه لايجعله يرى الخير في الجماعة وإنما هو يرى الخير في الانشقاق عن صف الجماعة، وذلك لأن مفهومه للخير هو أن يتحقق من خلاله مصالحه هو قبل مصالح الناس أجمعين.. إذن هل يعتقد الذين ينشقون عن صف الجماعة أنهم يستطيعون أن يفعلوا مايريدون دون أن تقف أمامهم صعوبات كالجبال.. وهل يعتقد أولئك الذين لايعملون للعقل أي حساب أنهم يستطيعون بالجنون والطيش والنزق أن يحسموا مسائل مصيرية متعلقة بمصير وطن وأجيال ومستقبل؟. فماذا يريد الحوثيون في جبال صعدة؟ هل يظنون أنه من السهل عليهم انتزاع عقيدة شعب بكامله رسخت في عقله ووجدانه منذ أن أشرق الاسلام بأنواره الساطعة وعم كل ربوع اليمن ليزرعوا مكانها تشوهات طرأت على العقيدة السمحة نشأت في جبال خراسان وأصفهان وغيرها من المناطق التي عاث فيها الفساد بقايا الخوارج وغلاة المذاهب الذين وصفهم الرسول الأعظم«صلى الله عليه وسلم» بقوله: «هلك المتنطعون.. هلك المتنطعون..» ومن ناحية ثانية هل يستطيع الفكر الانفصالي المتهافت الذي ظل كامناً في النفوس المريضة منذ جلاء الانجليز عن بلادنا أن يفرض واقع الانفصال والفرقة والتشرذم دون أن يجد الأشجار والأحجار والأرض التي يسير عليها تنكر عليه مزاجه العكر وميوله المنحرفة، بل الدنيا كلها تلعنه وتستمطر عليه السماء أن ينزل الله عليه حجارة من سجيل؟ حتى لايكون وبالاً على شعبه وكارثة على العالم في أن يستن سنن الفرقة والتمزق.. وهل يجوز لأمثال هؤلاء الذين يغردون في السرب المريض لدعاة الانفصال أن يستخدموا قوانين الحقد والضغينة والكراهية السوداء التي امتلأت بها قلوبهم ونفوسهم لرمي وحدة الوطن بسهام مسمومة دون اعتبار لأي أضرار فادحة تلحق بالوطن؟ لقد ظل الاحتلال البريطاني زمناً طويلاً يكرس الانفصال والفرقة وجاءت بعدها «بعد بريطانية» الشيوعية في عدن تدعو إلى الأُممية وتنكر الأسرة والوطن قفزوا فوق الأوطان قفزة المجانين وظنوا أنهم على شيء، فإذا بهم يجدون أنفسهم في التيه ليس أمامهم سوى السراب. نحن نرفض الفساد في بلادنا شكلاً ومضموناً، نرفض رموزه وصبيانه حيثما كان فهو فساد نتمنى زواله ونستعدي عليه الأرض والسماء والجبال والبحار والشرفاء من رجال الوطن ونسائه، ليس بيننا خلاف حول هذه المسائل رؤساء ومرؤوسين إلا من شذ وفسد، فإنه ملاقٍ جزاءه إن عاجلاً أو آجلاً، فلماذا لاتنصب جهودنا وتتجمع طاقاتنا وإرادتنا في أن نكون صفاً واحداً ضد الانحرافات وكل أنواع الفساد بدلاً عن الأحقاد؟ ولابد أن نعلم أنه عندما يفقد الانسان القدرة على الحب والتسامح ويستبدلهما بالحقد والكراهية، فإنه يكون قد ضل السبيل وفقد قدرته على معالجة الأمور بمنطلقات من العقل والعقيدة، فإذا به وقد وجد نفسه يوغر الصدور ويضلل العقول ويعبئ النفوس بما تحمله نفسه ويضيق به صدره. إننا اليوم بحاجة إلى أن نرتقي بالتعليم إلى حيث يصبح نافعاً ومفيداً بحاجة إلى جامعة راقية في علومها قادرة على العطاء وتخريج كوادر غير أمية تحسن القراءة والكتابة وتحسن كتابة خمسة أسطر دون أخطاء لغوية، كما أننا بحاجة إلى تربية على مستوى البيت والمدرسة والشارع ولسنا بحاجة إلى تعبئة الشارع اليمني بالحقد والكراهية والتعصب الأعمى الذي من شأنه أن يؤذي الأبرياء في أنفسهم وأموالهم.. فهل يجوز ممن يعتبرون أنفسهم زعماء وقياديين داخل الوطن أو خارجه أن يستمروا في تحريك الشارع اليمني للايذاء والقتل؟ ألا يمكن للعقل أن يجد له مكاناً وللعقيدة السمحة أن تجد لها نفوساً أبية وعقولاً نظيفة؟!