ذات يوم، سألني أحد الزملاء سؤالاً مفاده: «هل الاقتراب من السلطة مفيد للصحفي في تأدية رسالته؟!»، ثم ودعني على عجل ليلحق بطائرته، وافترقنا على اتفاق أن أبحث عن الإجابة لأفيده بها في أول لقاء يجمعنا، فظل هذا السؤال عالقاً بذهني لأهميته. وذات تصفح عابر لكتاب من مكتبتي الخاصة، وقعت عيناي على سؤال شبيه بذلك السؤال وجهه الأستاذ/محمد المراغي لعميد الصحافة العربية الأستاذ/محمد حسنين هيكل يقول فيه:« هناك وجهتا نظر.. الأولى تقول: إن الاقتراب من السلطة ضروري للصحفي، لأنها مصدر المعلومات والثانية ترى إن الاقتراب منها أي السلطة يقيد حرية الصحفي ويؤثر على رأيه» فكانت إجابة «هيكل» على النحو التالي: «هناك ثلاثة أنواع من الصحفيين: مخبر صحفي، صاحب رأي، والفنيون، وعندما نتكلم عن المخبر الصحفي، فإن له ثلاث مهام هي: ا جمع الأخبار.. ب تقديم الأخبار بحيث تصل إلى فهم القارئ ج تحليل الأخبار، أي مجال إبداء الرأي» واستطرد الأستاذ هيكل فقال: «ولابد أن يبرز سؤال يقول: من يملك المعلومات؟.. مَنْ هو صانع الخبر؟! ثم يجيب عن هذه التساؤلات، قائلاً: «بالطبع هو الذي في موقع السلطة أياً كان هذا.. لابد للمخبر الصحفي أن يكون على علاقة وثيقة بمصادر الأخبار» ثم يعطف بالقول معلقاً على مفهوم الصحفي: «إن الصحفي، من وجهة نظري، ليس إلا مجموعة مصادر.. أنا لا أتكلم عن مخبر يزين الخبر أو يحوره أو يختلقه، لكني أتحدث عن المخبر الصحفي كما ينبغي أن يكون، أي المخبر الذي مهمته الرئيسية العثور على الخبر الصحيح، هنا لابد أن تكون للصحفي علاقة وثيقة بالسلطة، وهي علاقة بين طرفين أحدهما هو صاحب القرار ويريد أن يحتفظ بالخبر، وأن مصلحته أن يصل الخبر إلى الناس بشكل معين والطرف الثاني وهو الصحفي، ويريد الوصول إلى الحقيقة كل الحقيقة، وأن ينشرها كما هي» ثم يستطرد قائلاً: «أنا أقول: ليس هناك صحفي يستطيع أن يبتعد أو يعادي من يحكم، أو من يصنع القرار من تجربتي الخاصة، التي هي نفس تجربة الصحافة في العالم الثالث، يمكن القول: إنه كلما اقترب الصحفي من السلطة اقترب من صانع القرار، وعندما تكون السلطة وطنية، والموضوعات لاخلاف عليها، لايكون التناقض عميقاً بين الصحفي وصانع القرار». وبما إن الشيء بالشيء يذكر، فإن ماخلص إليه أستاذنا«هيكل» حول ما يتعلق بالعلاقة الجدلية بين الصحافي والسلطة، والتي توجب الاقتراب كل من الآخر، فإنه إلى وقت قريب كانت العلاقة بين المشتغلين في الصحف الأهلية المستقلة وبين السلطة أشبه ب«مسألة فيها نظر» وتحديداً تلك الصحف الواقعة تحت تأثير أحزاب المعارضة وإتجاهاتها، والبعض منها التي ينظر القائمون عليها والكتّاب فيها إلى أن الاقتراب من السلطة يقيد حريتهم ويؤثر على آرائهم، وإن هذه العلاقة تضر في اعتقادهم بمواردهم التي يميلون إلى تعزيزها بعاملي الاثارة والمناكفات وعامل الخلاف المزمن مع صانع القرار، لذا نجد مخبريها الصحفيين نادراً مايستقون معلوماتهم من مصادر القرار فيعمدون إلى التأويلات والتعليق والتنجيم، ومايُسرب إليهم من معلومات وأفكار كيدية في معظمها، وقد ساعد على ذلك ضعف عاملي الاتصال والتواصل الذي كان يفترض أن تبادر إليهما السلطة لبناء الجسور المؤدية لذلك الاقتراب وتفعيل عامل الشفافية. وفي خطوة حميدة خطتها الحكومة منذ مطلع العام الحالي، ولاتزال حريصة عليها، تأكيداً منها على انتهاج مبدأ الشفافية ومد جسور الاتصال والتواصل واقتراب الصحفيين من السلطة، تمثلت في عقد مؤتمر صحفي مفتوح في أعقاب كل اجتماع دوري إسبوعي لمجلس الوزراء يتحدث فيه الناطق الرسمي للحكومة معالي الأستاذ/حسن اللوزي وزير الاعلام ويجيب في ذات الوقت على أسئلة المخبرين الصحفيين، تمكنت السلطة من تذويب الجليد بينها وبين الصحفيين وبدأنا نقرأ في بعض الصحف المستقلة المسئولة أخباراً ومعلومات وتحليلات موضوعية لما تناقشه الحكومة وتقره من موضوعات وماتصدره من قرارات وغيرها.. ويتبقى مشروع السلطة الكبير والمتمثل في إشهار «الحكومة الالكترونية» والذي سيجذب إليه، ليس المخبرين الصحفيين فحسب، بل والكتّاب والمحللين السياسيين والاقتصاديين والباحثين، ويعزز اقترابهم من السلطة لأداء رسالتهم الصحفية النبيلة، والاسهام الفاعل في صناعة القرار إلى جانب السلطة ممثلة في حكومتها في ضوء مخرجات صياغة الخطاب العام الذي تسهم في تكوينه الصحف، مثلما أجمع على ذلك رجالات الصحافة والاعلام، وفي مقدمتهم امبراطور الصحافة العالمية«روبرت مردوخ» والذي قال: «إن الصحف هي الوسيلة الاعلامية الأكثر نفوذاً في صياغة الخطاب العام، حتى في قرن الاعلان الجديد هذا» «نيوزويك العدد 114 6مايو 2008م» قال الشاعر: «ومن يلق خيراً يحمد الناس أمره ومن يغوِ لايَعْدم على الغي لائما». «المرقش الصغير»