لطالما رغبتُ أن اكتب عن هذا الشاب العصامي الذي شق طريقه إلى النجاح والنجومية رغم العقبات والعوائق التي يواجهها المُبدعون والتي بدورها تُثبّط في المُبدعين الهمم، وتُجبرنا نحن على تجاهل القادرين على بلوغ القمم.. فكل مرة أُحجم عن الكتابة عن هذا المُتألق توجساً من أن أقع في مُستنقع التقصير في حق إبداعاته.. لأني موقن بأني لا أستطيع أن أحتوي مناقب هذا الشاب الذي قدّم وما زال للإنشاد اليمني الكثير والكثير، ولكن عبر مساحتي لهذا الأسبوع، سأحاول بإيجاز الإشارة-وليس التحدث- إلى دور هذا الشاب في إشهار الإنشاد اليمني وإدخاله ضمن الدائرة الإنشادية العربية بعدما كان منسياً، إضافةً إلى دوره في تعريف العالم العربي بألحان وأساليب وكلمات يستخدمها اليمانيون دون غيرهم عن طريق انتقائه الدقيق والموفّق دائماً لكلمات وألحان أناشيده. سأبدأ هنا بتساؤل.. هل كان الإنشاد اليمني معروفاً كما هو اليوم قبل أن يظهر المُنشد عبد القادر قوزع عبر الفضائيات العربية ؟ كانت هناك مُشاركات إنشادية يمنية في بعض المحافل الإنشادية الدولية، لكنها لم تستطع أن تُظهر حجم الثروة التي يمتلكها اليمانيون في جانب الفن الإنشادي..! قبل سنوات قليلة ظهر المُبدع “قوزع” عبر الفضائيات العربية وبدأت أناشيده ذات الكلمات والألحان اليمنية بالانتشار بشكل كبير في دول الخليج والعالم العربي بل وعالمياً.. وبدأ يظهر الإبداع الإنشادي اليمني للعالم، كما أنه الإنشاد اليمني اليوم بات مُنافساً قوياً جداً في الساحة الإنشادية العربية.. لا شك أن هناك مبدعين يمانيين كُثر في الجانب الإنشادي، وهم اليوم يتألقون عربياً مثل المُنشد محمد المطري، والمُنشد أمين حاميم، وسليمان العراقي، وبلال الأغبري.. وغيرهم الكثير من المبدعين الذين يبهرون العالم العربي اليوم بجمال وروعة الأناشيد اليمنية.. لكن الحق يُقال إن “قوزع” كان البوابة لهم وبمثابة المُرشد، فهو من بدأ في إظهار الإنشاد اليمني الأصيل بهذه الطريقة الحديثة والتي حاكت وواكبت التطور. ومن المُميزات الكثيرة في هذا المُبدع، انتقاؤه لكلمات أناشيده وطريقة أدائها.. فالمُتأمل في كثير من أناشيد “قوزع” يجد حرصه على انتقاء الكلمات التي تُتداول في اليمن، وغير مُتداولة كثيراً في الدول العربية، بالرغم من أن جذرها فصيح أو أن لها قاعدة لغوية تفسرها.. مثلاً: عندما قدّم أنشودة (أبدع بك أدعيك)..بالرغم أن له مستمعين كُثر في الدول العربية، لكنه آثر أن يُقدِّم الأنشودة باللهجة العامية اليمنية حين استبدل(أبدأ) ب (أبدع)، ساعياً إلى إظهار وإخراج اللهجة اليمنية من الغبن بسبب تقصير الإعلام اليمني في هذا الجانب، لاسيما وأن قاعدة الإبدال في اللغة العربية موجودة منذُ القِدم، وقد أسمى اللغويون العرب عملية إبدال الهمز عيناً ب (العنعنة). أيضاً في أنشودة(فِزّ فِزّ).. حيث تعني كلمة فَزَّ في المُعجم المُحيط (فزع)ص687 ولكن المعنى توسع في اليمن حتى أن (فِز) تعني (تحرك بسرعة) فيقال (فز يا فلان) أي:تحرك بسرعة، وهذا التطور في الاستخدام موجود حتى إن بعض مناطق صعيد مصر يستخدمها كما يستخدمها أهل اليمن. هناك أمثلة كثيرة تُعزّز ما حاولنا توضيحه أعلاه، وكما قلت في استهلالي: لا يمكنني أن أختزل إبداعات هذا الشاب في مُجرد مقال واحد، وربما في الأيام القادمة سنتمكن من تقديم قراءات نقدية فاحصة لإبداعات هذا العملاق اليماني.