كل ما زادت معلوماتي عن الجامعات العالمية المحترمة زاد حزني على جامعاتنا، وارتفع مستوى حسرتي على جامعتي- جامعة صنعاء- ؛ فعمرها الآن يقارب الأربعين عاماً، وفي كل عام تزيد مشكلاتها، وترتفع مستويات الشكوى من واقعها، وتتعدد مصادر الضغوط على مسئوليها، لكنني مازلت أحلم بأن أجد في الجامعة ما يرفعها إلى مستوى الاعتماد الأكاديمي ، وسيظل الحلم حياً مادام في هذه الجامعة قلوب وطنية صادقة تحب هذه الجامعة، وعقول نظيفة تسعى إلى تغيير واقع الجامعة تغييراً جذرياً، مبنياً على معايير علمية ... الوضع في جامعة صنعاء يحتاج إلى إعادة نظر في الجهود المبذولة لتطويرها؛ فعلى الرغم من عشرات اللجان التي يتم تشكيلها سنوياً لتحسين جودة الجامعة، لم نلمس لهذه اللجان تواجداً إلا في ملف القرارات، أما العمل فلم نجد أية لجنة ناجحة إلى الآن ، ويفترض أن يوجه المتخصصون إلى إجراء دراسة علمية لتحليل محتوى القرارات المعطلة في أدراج الجامعة ليعرفوا كم من الجهود المبذولة التي تم إهدارها بدون تنفيذ!!، وكيف سيكون واقع الجامعة لو أن تلك القرارات قد تم تنفيذها ومتابعتها !! يمكن أن ترتقي الجامعة بقرار واحد إذا ما تم تفعيله و تنفيذه ومتابعته وتقويم آثاره ، لكننا نحن في اليمن من هواة إصدار القرارات ، ثم الاحتفاظ بها في الأرشيف، هذا ما نفعله إلى اليوم، ولا أقول ذلك من فراغ؛ فأنا شخصياً لدي قرارات عضوية في أكثر من لجنة منذ سنوات، وإلى اليوم لم يتم استدعائي لأي عمل خاص بتلك اللجان ، وكلما حاولت أن أعرف من رؤساء تلك اللجان ما يحدث، يلقون اللوم على الإمكانيات، فلماذا نصدر قرارات ونحن لا نملك الإمكانيات لتنفيذها؟ ما الهدف منها إذا كان مصيرها الأرشيف؟! إن الجامعة بحاجة إلى حركة إصلاح جذرية يجب أن تبدأ بقوة، وأن تتجه نحو الأداء الفعلي لكل منتسبي الجامعة.. إن إصلاح الجامعة يبدأ من اختيار الأستاذ الجامعي؛ فالأستاذ الجامعي هو أهم عنصر ينبغي أن تحرص الجامعة على توافر المعايير العلمية فيه، ونحن نتطلع إلى تطبيق معايير الجودة على الأساتذة المتخصصين الموجودين حتى يرتفع شأن الجامعة، وأن يخضعوا لتقويم سنوي في الأداء التدريسي، وفي البحث العلمي، وفي القدرة على مواكبة المستجدات في التخصص، وفي القدرة على الالتزام بأخلاق المهنة، وفي القدرة على خدمة المجتمع وغير ذلك من المعايير، لكن ذلك مازال في علم الغيب.. ولأن تقويم أداء الأستاذ الجامعي مازال كلاماً نظرياً لن يكون له وجود في الواقع في نظر الكثير، فقد صارت جامعة صنعاء هذه الأيام مهوى قلوب كثير من حملة الدكتوراه للتقدم للتوظيف فيها أعضاءً في هيئة تدريس؛ لأنهم يشعرون بأن الانتساب للجامعة لا يتطلب معايير نوعية، كما أن جامعة صنعاء صارت هدفاً أساسياً لأعضاء هيئة التدريس المعينين في الكليات والجامعات الأخرى؛ فمن تم تعيينه في كلية خارج العاصمة يسعى بكل السبل إلى انتقاله إلى جامعة صنعاء حتى وإن كانت الجامعة متخمة بتخصصه، فإنه لا يقتنع، ويظل يوسط الإنس والجن لينتقل إلى جامعة صنعاء، و يتفنن في تقديم المبررات الإنسانية التي تهز قلوب المسئولين وتتجاوز عقولهم لتأييد انتقاله ، ويبدي استعداده للقيام بأي عمل إذا لزم الأمر، المهم أن يكون في جامعة صنعاء.. والمؤلم حقاً أن تُتخذ الكليات الفرعية والجامعات - في غير العاصمة- محطات ترانزيت لمن يريد حمل لقب عضو هيئة تدريس في الجامعة، والأكثر إيلاماً أن يجد الراغبون في ترك تلك الجامعات والكليات إلى جامعة صنعاء تعاطفاً من بعض أعضاء هيئة التدريس، ومن بعض أعضاء المجالس العلمية والقانونية المختلفة في الجامعة، إما تحت مبررات الإحراج، أو لأغراض أخرى لا نعلمها، والله وحده هو الذي يعلم مستقبل الجامعة في ظل تلك الأهداف .. لقد صرنا نلاحظ أن من يسعى للانتقال إلى جامعة صنعاء هم من الأعضاء الجدد الذين لم يدخلوا بعد قاعات الدرس في كلياتهم، وربما لم يمارسوا التدريس طوال أعمارهم، ومنهم من لديه من المهام التجارية والحزبية وغيرها ما يستدعي تواجده في صنعاء، ولذلك يسعى لكي يضرب عشرين عصفوراً بحجر واحد؛ فهو يحلم - إن هو تعين في صنعاء - بأن يظل مرتبه كما هو دون قطعيات قانونية، وسيكون متواجداً قريباً من مصالحه الأخرى، وسيمشي حاله في الجامعة في ظل غياب معايير تقويم الأداء الفعلي لعضو هيئة التدريس في الجامعة، وفي ظل اعتقاده بأن هناك مساواة بين الجيد والرديء داخل الجامعة.. والغريب أن من هؤلاء الدكاترة من يبدي استعداده لتدريس أية مادة حتى وإن لم تكن في تخصصه، وهذا يعني أن مثل هؤلاء الدكاترة لا يقدرون تخصصاتهم، ولا ينتمون إليها، ومعنى ذلك أننا بعد سنوات - إذا لم تنتبه الجامعة للموقف - سنجد أن المتخصص في الجغرافيا يدرس علم التشريح، والمتخصص في الرياضيات يدرس علم الفقه، وهكذا... والحقيقة المؤسفة والمحرقة أننا نجد أن كثيراً من حملة الدكتوراه المتقدمين للتدريس في الجامعة يؤمنون أن مواصفات الأستاذ الجامعي تقتصر على الحصول على الشهادة، وكثير منهم هدفه الأول والأخير هو رفع المرتب، وليست له أية علاقة برسالة الجامعة، وهؤلاء لاشك سينصرفون عن الجامعة إذا عرضت عليهم أعمال أخرى توفر لهم مرتبات تساويهم بأعضاء هيئة التدريس.. أتمنى أن تتنبه قيادة الجامعة لما يحدث، وأن تظل قوية أمام الضغوط مهما كان حجمها، لأن الجامعة لن تتقدم إذا لم يكن أعضاء هيئة التدريس من ذوي القدرات النوعية، ونتمنى أن يتم رفع مرتبات حملة الدكتوراه كلهم، وليس لدينا مانع أن تزيد مرتباتهم عن مرتب عضو هيئة التدريس، المهم أن يظلوا بعيداً عن الجامعات وطلبتها، حتى لا تصبح الجامعات مكاناً للإعاشة، ومنابع للتجهيل والتطرف والجمود بدلاً من أن تكون منارات لتطوير المجتمع وتنوير العقول، الأموال يمكن أن تعوض لكن تخريب الجامعات يُعد تدميراً كاملاً لعقل الوطن المفكر ... فمتى سنطمئن على مستقبل جامعة صنعاء؟!! (*) كلية التربية - جامعة صنعاء [email protected]