لاتستطيع أن تعيش المرض وأنت في قمة الصحة .. لن تتخيل طعم الألم وأنت تبتسم، وليس بمقدورك أن تذرف الدمع وأنت تعيش تفاصيل قصة السعادة .. ما من شيء سيىء في هذه الدنيا مثل المرض .. ما من شيء أقسى من الألم خاصة إذا كان ذلك الألم مجهولاً لا تظهر له أعراض .. ولا تميزه صفات .. وليس له دواء إلا الموت .. تصور أن يسقطك الألم من قمة الفرح لتقع في قاع التعاسة .. تصور أن ينسيك الألم أقرب الناس .. يُغيّب عن عينيك أجمل الصور .. يسيطر على منافذ جسدك .. لا يترك لك فرصة الاختباء أو الهرب، تخيل ألا ترى إلا ملاءة بيضاء وسقفاً رفيعاً يحمل مصباحاً متوهجاً على وجهك ليل نهار .. تخيل ألا تشم إلا رائحة الأدوية ولا ترى ألا لون الدم .. أن تعيش لا تتذوق للطعام مذاقاً ولا تستسيغك نكهته .. ولا يهمك من أمرك ألا أن تنسى الألم أو ينساك .. تخيل ألا يزينك شعر .. ولا تميزك ملامح .. تدور عيناك في أفق يضيق ويضيق ويضيق .. تخيل أن تتمنى طعم الراحة !! ان تستشعر وجود الناس من حولك .. أن تقول رأيك .. تتفوه بصوتك .. تشارك الجميع في السطوع ثم تأفل .. تتهادى خطواتك نحو الموت في جنازة تحملها أنت على كتفيك .. موت تعيشه لحظة بلحظة .. لا يمنعك من الانطفاء ألا قدر معلوم . تخيل أن يكون جسدك مشفى .. ودمك صيدلية .. وأوردتك موصلات كهرومغناطيسية .. تذبل مسامك .. وينحل جسدك .. وتخور قواك .. وتتغير ملامحك .. ويذوب في الدهشة وعيك .. يطير روعك وأنت بين صرخة وصرخة . تخيل أن تعيش الموت بتفاصيله الدقيقة وأنت على فراش الحياة .. ما عساها تصنع الأموال .. ما الذي تستطيع فعله .. لعل المال يوفر الدواء لكنه لا يحتم الموت السريع إذا عز الشفاء !! هل جربت قبل اليوم أن تتخيل ذلك ؟!!! هل مرت على خاطرك كلمة (سرطان) هل تعرف معناه ؟! هل شعرت بمعاناة أصحابه ؟! هل جربت زيارتهم والإحساس بهم عن قرب؟! هل فكرت مرة ما الذي يجعل السرطان أكثر انتشاراً بين أوساط اليمنيين ، ثم هل أخذك الفضول إلى معرفة لماذا تعز بالتحديد أكثر محافظات اليمن إصابة به ؟ّ دعوني اصطحبكم في جولة سريعة على طرقات تعز الجميلة وصولاً إلى المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان .. اعبروا معي شوارع المدينة صباحاً حيث يبدأ الدخان يتصاعد من عوادم السيارات وبعض المقاهي التي تعد طعام الإفطار للذاهبين والعائدين من وإلى تعز .. ( خبز الطاوة - زلابية - مطبقية - رشوش .. فاصوليا ناشفة - كبدة ...) كلها تستخدم الزيوت بكثرة بل وتزيد من تعريضها للنار للحصول على نكهة (شوارعجية ) مميزة ولأن (بصل السوق حالي) يأكل الناس كل شيء غير مبالين بالقيمة الغذائية المتدنية وخطر الزيوت المستخدمة في الطهي في الهواء الطلق ! نعبر على الأرصفة ( مشروب التوت - الشعير .. الزنجبيل .. مشروبات غازية ..) تستخدم كمية كبيرة من السكر - أوانٍ غير نظيفة (زجاجات ماء مستخدمة ) وإذا ما فكر أحدهم بالتسلطن والتمزج اقدم على (فذّاحة) معتبرة وطبعاً تحتوي على مبيدات حشرية محرمة دولياً ولا ندري بأي طريقة تتسرب إلى داخل الوطن .. لكن ما علينا فكل شيء يتسرب إلى الداخل أو من الداخل .. لكن مبيدات حشرية محرمة تصدرها إسرائيل كيف تستخدم وهي مُسرطنة في المقام الأول .. ومن منا لا يعمر مائدته يومياً بشيء من الخضروات والفواكه ؟! إذا فنحن نتناول المبيدات يومياً دون ان نشعر .. وها قد حانت وجبة الغداء (شيبس - دجاج مقلي .. خبز - رز - حلوى ..) طعامنا عبارة عن أكياس النشويات وصفائح السمن والزيت ونختم عليه بتعاطي القات حتى ساعة متأخرة ومن ثم وصولاً إلى المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان التي تقوم بالكثير من الأنشطة بغرض تقديم المساعدة المادية دوائياً والتوعية الصحية بأخطار السرطان وضرورة الابتعاد عن أسبابه الرئيسة التي اتضح من خلال الأبحاث العلمية أن ضعف المناعة بسبب الغذاء غير الجيد وتعاطي القات وأنواع الدخان المختلفة أسباب رئيسية للإصابة بهذا المرض الخبيث ؟ كانت آخر فعالية قامت بها المؤسسة الأربعاء الماضي 20/1/2010م بعنوان (دورة الفحص الذاتي لسرطان الثدي) على قاعة منتدى السعيد الثقافي والتي أقامتها إدارة قطاع المرأة والطفل بالمؤسسة .. الجميل في الأمر ذلك الحضور المميز لزوجات رجال المال والأعمال وهو حضور داعم لا يستهان به .. لكنني على ثقة أن الكثيرات والكثيرين يستطيعون تقديم العون ورفع المعاناة عن أولئك الذين اختارتهم الأقدار لترفعهم إلى السماء بعد أن يفتت الألم أحشاءهم ويستأصل إحساسهم بالحياة وينسيهم طعم الفرحة ويكبد ذويهم كل ما يمتلكون حتى منازلهم التي تقيهم حرارة الشمس وبرودة المطر .. أرجوكم لا تجعلوا القافلة تمضي دون أن يكون عليها متاع قدمته أيديكم .. وما عندالله خير وأبقى .