في ملحق الإنسان الصادر عن الجمهورية الغراء يوم الثلاثاء الماضي موضوعان عن حادثتين متقاربتين في التاريخ ومتحدتين في السبب ومختلفان في المكان , الأولى وهي الأشنع حكت عن قيام رجل في مفرق حبيش محافظة إب بقتل ابنه الذي لم يبلغ سن الحلم(14) سنة بمحاولة تقطيعه بآلة حادة ولما كانت مقاومة الولد لأبيه القاتل البالغ من العمر مافوق الخمسين أخذ أداة تسمى مقصمة وضربه بها حتى فارق الحياة وحاول إخفاء الجثة وكأن شيئاً لم يكن. وبعث أنه من كشف الجريمة وربما أدلى بتفاصيلها لا أذكر اللهم إلا أن الأب القاتل غضب من ابنه غضبة الفاقد أعصابه وحواسه كالمدمنين للمخدرات القوية, لأن الولد حسب إفادة الأب القاتل لم يعطه قاتًا, أو قيمة قات وأنه كان يعامله معاملة قاسية كأنه ليس أباه , فقرر التخلص منه بهذه البشاعة التي كانت علامتها ذبحه بآلة حادة في رقبته وهو الآن رهين الحجز والتحقيق وقد تطول مدة المحاكمة بسبب الروتين المتبع في القضاء نظراً للتدخلات التي بعضها ظاهرة الرحمة والآخر باطنه التعذيب لبقية أولياء الدم من أم وإخوة ربما تعرضوا لحالات من الاعتداءات من الأب أقل درجة من القتل ولم يشكوا خوفاً من تفكك الأسرة وأملاً في ٍٍإصلاح هذا الأب القاتل بدم بارد أو ممارسة لما له حق في أولاده وماله وأعوذ بالله منه..الثانية هي انتحار شاب في شجرة القات التي كان يحرسها باهتمام في موسم القطاف مثل باقي الأيام والشهور التي أوكل إليه والده تحمل مسؤولية خدمة القات وحراسته, وكما هي العادة يمضغ أصحاب المزارع القات من الصباح ولايتوقفون إلا لتناول وجبة الغداء الخفيفة والخالية من الفوائد الغذائية أو للنوم في وقت متأخر من كل ليلة وفي أثناء الكيف وعدم وجود من يشغله عن التفكير المثير للأعصاب الذي وصل بذلك الشاب حد الشك بزوجته الشريفة الكاملة المخلصة لزوجها وبدأ بتعقب تحركاتها ولم يجد أي برهان يقطع به الشك فما كان منه إلا أن انتحر بقطعة قماش قوية ربطها إلى فرع شجر القات وبقي معلقاً بعض الوقت.. هاتان الحادثتان المتهم فيهما القات ماهما إلا نقطة في بحر المشاكل والمآسي التي عمت كل البلاد بسبب القات زراعة وتعاطياً وخلافات بين الورثة والجيران على أراضيه والمياه التي يحاول كل واحد لاسيما الأقوياء المتنفذين الاستيلاء عليها لأنفسهم ووصل الأمر إلى أن بعضهم استولوا على آبار ومشاريع مياه أقامتها الدولة هنا وهناك لتلبية حاجة السكان من مياه الشرب وسقي الحيوانات قبل أي شيء وبعد مطالبات دامت سنوات أو قاموا بحفر آبار مجاورة وبأعماق موغلة -في الأكثر -أكثر من أعماق آبار الدولة التي تدار بواسطة لجان أو المجالس المحلية..القات قاتل -وقد قلتها قبل عدة سنوات- ومهين للكرامة والعقل والمسؤولية الأسرية والإحساس, وقد تأكد لي ولمجموعة من الأصدقاء أن المدمن للقات لايختلف عن المدمن للمخدرات والشاهد على ذلك قيام رجل بائس كبير في السن أمامنا بتقبيل ركبة مقوتة في مدخل أحد الأسواق في المدينة وهي أيضاً لايقل عمرها عن الستين سنة من أجل أن تسمحه ببقية ثمن(عصرة قات) بقبضة اليد فخجلت ولم يخجل هو وهو يتوسل إليها لأنه -كما قال- فقير وعاطل وليس معه غير أربعمائة ريال, فهل هذه القصص والمناظر من النوع الذي لايهز ضميرًا ولايوقظ إحساسًا لدى الجميع بخطورة القات التي لاتقف عند حد معين..