إن المد المتزايد للخطاب التكفيري المتشدد في مجتمعنا اليمني الذي يتسرب من هنا وهناك حاملاً العنف والتطرف وترهيب المخالفين؛ يؤسس وعياً اجتماعياً لا يقبل الاختلاف ولا يحترم لغة العقل والتفكير.. أخطاء وعثرات التفكير والتعبير البشري ممكن استدراكها بالحوار والمحاججة والرد بالتي هي أحسن حتى يختفي في هذه المساحة الجلاد والسجان معاً باعتبار تلك المساحة المتنفس المطلوب للتفكير وإعمال العقل وتلاقح الرؤى والأفكار وإثراء الحراك الفكري، ورفع مستوى الوعي الاجتماعي في التعاطي مع قضايا الدين والوطن والإنسان والكون والآخر. ثقافة التكفير التي تزداد انتشاراً وتعاظماً ومنابر يوماً بعد يوم لا تخدم اليمن ولا تقوّي النسيج الاجتماعي , مثلما أنها لا تعزز التربية السوية، ولا تساعد في تحقيق العدالة والمساواة والتحول الديمقراطي وبناء المجتمع المدني الذي نحلم به وندعو جميعاً إليه. لأن تلك الثقافة النارية التي تتسرب من شقوق هذه الجامعة أو تلك الجماعة أو أدبيات وخطط وبرامج جمعيات الغلو والعنف والتطرف ستتحول إلى سوط لا يرحم وطلقة طائشة تفتك بالآخر ودعوة ظالمة لا ضمير لها ضد الرأي المعارض ومطارد شرس للعقل والتفكير والإبداع. من ثم يصعب إيقاف طاحونة التفكير التي ستأتي على كل ما يمت إلى التنمية العقلية والتنوير والإيقاظ الاجتماعي بصلة إن وجدت المريدين والداعمين والقضاء المتعاطف العاجز عن نصرة الحق والعقل والتفكير. اعتقاد البعض انه الناطق باسم الله عز وجل والمدافع عن الدين والقرآن والرسول تجعله في حالة من العنف الهستيري الموجه الذي لا أثر فيه للرحمة والتراحم، والتطرف الذي لا يقبل رأياً مخالفاً، ولا يعترف بحوار فكري ولا تفكير مغاير لما درجت عليه خطبهم ومحاضراتهم وندواتهم وكتبهم ونشراتهم ومجلاتهم واجتماعاتهم الخاصة والعامة. مع ذلك فإنهم يراهنون على إدخال المجتمع في دوامة العنف والتكفير وإخراجه بكل الوسائل والفتاوى من معركة العصر والتفكير والتنمية والتنوير.. ثقافة التكفير تصنع الغلو والتطرف, تُشرعن للعنف وتسوّق للإرهاب، توقف العقل وتحيله إلى الغرف المغلقة, كي لا يرى النور ولا يمارس الحياة. كل ما في الأمر هو أن المشايخ الثقات وتجار الدين قد أحضروا من يحوّل الساحة اليمنية إلى ساحة مصارعة للثيران وتكسير القرون، أما العلم والدين والشريعة والسلف، فلا أثر لهم فيما يطرحون ولا فيما يثيرون من صراع وحوار وثقافة داخل المجتمع اليمني. القضايا الفكرية التي حاكتها مقصلة المشايخ الجدد صورة من تلك الصور الكثيرة التي ستتحول يوماً ما إلى شهادة عصر بأكمله على استخدام الدين وسيلة ظالمة لا ترحم لقهر المخالفين وتحجيمهم وتأليب العوام والسلطان عليهم، وهذا هو الإرهاب بعينه مع تغير في وسائله وسلاحه وساحته وجنوده. مع ذلك كله فقد كان بوسع القضاء أن يطلب من بعض رجال العلم الذين لا ينضوون إلى نفس الجماعة محاورة أصحاب الآراء والكتّاب والمفكرين حتى وإن كانوا في موقع المتجاوزين أو المذنبين للحد والحدود وغير مدركين للمقاصد والغايات. ستتسع الصحف لذلك الحوار النافع الذي سيفيد جماهير غفيرة من المثقفين وطلاب العلم والصحافة والصحافيين والكتاب وجماهير غفيرة ممن منحوا رتبة شيخ في معترك الشريعة وأنصاف العلماء ممن تخلوا عن الحكمة والموعظة الحسنة وتوشحوا الصميل بدلاً عنها مسايرة لمن تندر قائلاً بأن الصميل هو الركن السادس من أركان الإسلام. الحوار الإسلامي الهادئ والنافع سيفيد حتماً ذلك الذي سلم نفسه طائعاً للمشايخ الجدد يصيغون عقله وتفكيره وقناعاته كيفما يشاؤون ، مثلما سيفيد كل من تعاطف معهم من القضاة والمحبين والمعجبين. وتبقى ثقافة التكفير واحدة من أكبر معضلات الوعي والثقافة الاجتماعية التي لابد وأن نتعهدها بالإصلاح وإعادة البناء. [email protected]