دائماً ما يكون الهم العربي وقضايا العروبة في صدارة جدول أعمال القمم العربية، فلا تكاد تمر قمة إلا ونسمع عن ظهور تباينات وخلافات عربية - عربية تعكر صفو أجواء انعقاد القمة وتحول دون الخروج بتوصيات وقرارات تلبي تطلعات وطموحات الشارع العربي من المحيط إلى الخليج. وأمام هذا الوضع المتردي تبذل بلادنا ممثلة بفخامة الرئيس علي عبدالله صالح جهوداً مضنية في سبيل تقريب وجهات النظر وتلطيف الأجواء بين الإخوة الأشقاء, رغم كل الصعاب والمشاكل التي تواجهها بلادنا إلا أن ذلك لم يأخذ اليمن وقيادته السياسية الحكيمة بعيداً عن الهم العربي المشترك والمتمثل في تفعيل دور الجامعة العربية من خلال إنشاء اتحاد الدول العربية ككيان جديد يُسهم في تحريك المياه الراكدة في الساحة العربية, ويمضي بالعمل العربي المشترك نحو آفاق رحبة من التعاون والتكامل والتطور والنماء. المبادرة اليمنية التي اشتملت على رؤى ومقترحات حكيمة كفيلة بإنعاش الدول العربية والأخذ بأيديها لتحقيق ذلكم الحلم الذي ظل يراود مخيلة كل أبناء العروبة والمتمثل في الوحدة العربية التي من شأنها وضع نهاية للمناكفات والخلافات العربية وطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة قائمة على العمل العربي المشترك الذي يمتلك مقومات النجاح والتميز. المبادرة اليمنية بإنشاء اتحاد الدول العربية أخذت حقها في النقاش على هامش الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية العرب وتم إدراجها على قائمة جدول أعمال القمة العربية الثانية والعشرين التي استضافتها مدينة سرت الليبية مطلع الأسبوع المنصرم, هذه القمة التي استحوذت في أغلب جلساتها على مضامين المبادرة اليمنية والتي حظيت بإجماع وتأييد عربي منقطع النظير لكونها لامست الجرح العربي وشخّصت ماهية الوجع ووضعت الحلول والمعالجات الناجعة وقدمت روشتة الدواء الكفيلة بمعالجة الجرح وتطبيب الوجع العربي والتي هي في الحقيقة جروح وأوجاع جمة يندى لها الجبين, ولعل اللافت في المبادرة اليمنية هو شموليتها لكافة الجوانب المتعلقة بتفعيل العمل العربي المشترك وتعزيز الهوية والوحدة العربية السياسية منها والاقتصادية والتنموية وغيرها من الجوانب التي تناولتها وسلطت الضوء عليها المبادرة اليمنية التي حملها الرئيس القائد إلى قمة سرت الليبية وحظيت بذلك القبول والتأييد والتفاعل الأكثر من رائع مع خطاب فخامته في القمة والذي أشار من خلاله إلى مرتكزات المبادرة اليمنية والأهمية التي تكتسبها والأهداف المتوخاة منها, وليس بغريب على فخامة الرئيس أن يكون صاحب المبادرة في معالجة الكثير من القضايا العالقة في الوسط العربي لإيمانه المطلق أن العرب ينبغي أن يكونوا أمة واحدة وكيانا واحداً تذوب فيه الفردية المقيتة وتطغى روح العمل الجماعي الجاد والفاعل الذي يحقق أحلام وآمال وتطلعات الشعب العربي الذي وصل إلى مرحلة اليأس من انفراج الوضع العربي, وقد سبق له مبادرات قومية جادة في التقريب بين الأشقاء والإخوة وحل الخلافات التي تنشأ بين الدول العربية، ويُحسب لفخامته كونه من أوائل القادة والزعماء العرب الداعين لتحقيق الوحدة العربية مستشهداً بالوحدة اليمنية التي تعتبر الخطوة الأولى على طريق الوحدة العربية والتي تعتبر من الأهداف الستة الخالدة للثورة اليمنية المباركة، فالوحدة العربية ظلت وستظل الهدف الأسمى للقيادة السياسية في بلادنا, فبها يتحقق للعروبة حلمها بالتوحد, وبها يدلف العرب في رحاب عصر جديد ومرحلة جديدة معها تتحقق كل أشكال التقدم والتطور والنماء وتختفي التباينات والخلافات ويعمل الجميع بروح الفريق الواحد بحيث يصبح للعروبة صولة وجولة ومكانة مرموقة وكلمة مسموعة وقوة محسوبة بين الأمم, ولاأعتقد أن هناك عوائق طبيعية تحول دون تحقيق الوحدة العربية وإنما العوائق مصطنعة نبتكرها نحن العرب ويعمل أعداؤنا على تغذيتها وتشعبها, وماأسهل التغلب عليها إذا ماتوفرت الإرادة العربية الصادقة وانتصر القادة والزعماء العرب لأمتهم وشعوبهم التواقين لأن يصنع قادتهم ماسبقه إليهم الأوروبيون الذين نجحوا في تحقيق وحدتهم من خلال تأسيس الاتحاد الأوروبي حيث قدمت الدول الأوروبية التنازلات وتجاوزوا الخلافات والفوارق والامتيازات والعوائق وقهروا المستحيل وصنعوا الإنجاز الأبرز بإعلان الاتحاد الأوروبي وإطلاق عملة موحدة يتم التعامل بها في إطار هذا الاتحاد حتى غدا هذا الكيان من أنجح الاتحادات على المستوى العالمي, ومن غير المعقول أن يتحد الأوروبيون بلغاتهم المختلفة وثقافاتهم المتباينة وسياساتهم المتناقضة في الوقت الذي يعجز فيه أبناء العروبة الذين يتكلمون بلغة واحدة ويمتلكون ثقافة واحدة وتجمعهم روابط العقيدة والعروبة والدم والانتماء الواحد عن تحقيق الوحدة العربية.. لايعقل ذلك وانطلاقاً من هذا السياق فهاهي المبادرة اليمنية تختصر المسافات وتعالج الكثير من الخلافات والتباينات ومن شأن العمل بها الوصول إلى الغاية والحلم العربي بإعلان الوحدة العربية من خلال إنشاء اتحاد الدول العربية ومانأمله أن تعمل اللجنة الخماسية التي تم تشكيلها في ختام أعمال القمة العربية الأخيرة المكلفة بمناقشة المبادرة اليمنية والتوجهات ذات الصلة بتطوير العمل العربي المشترك والتي تضم قادة بلادنا والعراق وقطر وليبيا ومصر على أن تترجم القضايا المنوطة بها على أرض الواقع وتقديمها للمصادقة عليها في القمة الاستثنائية التي تم الإعلان عن انعقادها أواخر سبتمبر القادم, ولامجال هنا للتأخير فالأوضاع العربية تزداد سوءاً. نثق كثيراً أن الاتحاد العربي سيُعلن قريباً وسيشهد العمل العربي المشترك نقلة نوعية غير مسبوقة وسيجني العرب من المحيط إلى الخليج ثمار هذا الكيان الذي طال انتظاره وأعتقد جازماً أن قضية العرب المصيرية «قضية الصراع العربي الفلسطيني - الاسرائيلي” ستشهد تحولاً نوعياً مع الاتحاد العربي وسيُجبر الصهاينة الغاصبون على الاندحار وكف ممارساتهم وجرائمهم الوحشية في حق أبناء شعبنا الفلسطيني الصامد واعتداءاتهم الحاقدة على المسجد الأقصى ومحاولاتهم لتهويد مدينة القدس وستضطر أمريكا ومن معها من الحلفاء على الحد من انحيازهم الفاضح للجانب الاسرائيلي, وسيكون بإذن الله إعلان فلسطين دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف وسيعود اللاجئون إلى وطنهم وسيستمر النضال وتتواصل مسيرة المقاومة الفلسطينية البطلة على طريق الخلاص من براثن العدو المحتل. لامجال للمزايدة والتقليل من حجم المبادرة اليمنية والدور القومي الذي تلعبه بلادنا للانتصار للحق العربي وقضاياه المصيرية ورفع الظلم الذي تتعرض له العديد من الدول العربية فمن الحمق أن يشيد الإخوة الأشقاء بمبادرة بلادنا ونسمع ونشاهد ونقرأ عن الاستهانة بها من قوى سياسية يمنية من باب المماحكات السياسية والحزبية.. ولهؤلاء نقول: عودوا إلى رشدكم وتخلصوا من تطرفكم السياسي والحزبي المقيت الذي يحول بينكم وبين قول الحقيقة, فلا أحد ينكر أو يتجاهل مواقف بلادنا وقيادتنا السياسية الداعمة للقضية الفلسطينية والساعية لإحلال الأمن والاستقرار في الصومال والسودان والعراق ورفع العقوبات المفروضة على سوريا والسودان والداعية لاستعادة الأراضي العربية المحتلة في الجولان وجنوب لبنان والجزر الإماراتية المحتلة من قبل إيران, إلا أنتم وهذا عيب مشين في حقكم, فالواجب أن نشعر بالفخر والزهو إزاء ذلك لأن في ذلك فخراً لليمن ولليمنيين عموماً سلطة ومعارضة, وعلينا أن نفرق بين المماحكات السياسية والحزبية والثوابت والمواقف الوطنية القومية الخالدة.. كل الأمنيات للمبادرة اليمنية بالتوفيق والنجاح في إزالة سواد ليل العروبة الحالي الحالك وتطوير العمل العربي المشترك بإعلان اتحاد الدول العربية الذي بات اليوم يُمثل مطلب كل أبناء العروبة في مختلف أرجاء المعمورة. [email protected]