نريد عيداً نشعر فيه بوطنية خالصة لا تشوبها مصلحة مال أو جاه أو سعي خلف مجهول لا نعرف تفاصيله الخارجة عن حدود إدراكنا. نريد عيداً يعلمنا معنى المسئولية ويلون هذا الولاء الباهت بألوان النصر والتعالي على تفاهات يلقيها في طريقنا هؤلاء أو أولئك. نريد عيداً لا يعولمنا ولا يدوّل قضايانا ولا يبخس في أعيننا سعر التضحيات التي قدمها أجداد وآباء وأحفاد لم يفعلوا شيئاً سوى أنهم أحبوا هذا الوطن.. وبدون أبواب مشرعة تقتحمنا عبرها الإرادات الخارقة لا نستطيع أن نثب كليوث الغاب. نريد عيداً نقسم فيه قسم الولاء من جديد...نعيد ترتيب أوراقنا البالية وننمق فيه شكل إرادتنا بسلوك قويم...كم مرت من الأعياد وكم ستأتينا أعياد،لكننا لم نفكر ولو لمرة أن نحتفل بأخطائنا..نعم نتذكر ما الذي أفسدته أيدينا داخل عقولنا وعقول الآخرين...نشرنا ثقافة الكراهية..شتتنا رأينا...دمرنا الكثير من قيم الجمال الوطني في عيون أبنائنا...افتعلنا حالة الاختناق المرة التي قتلت الكثير من أبناء الوطن ومزقت أواصر التقدير بين الحكومة والناس. إن هذه الهوة الساحقة التي اتسعت بجموح بين أبناء الوطن الواحد لم يوسوس لها شيطان أو تفتعلها الأباليس، إنها مشاريع للتخريب لها أدواتها ونطاقها وأسسها التي يدرّسها المنظّرون لزلزلة أمن الوطن ولا أحسب أحداً من الناس يجهل ما يحاك في الخفاء والعلن للإطاحة بالأمن الذي يحمينا انفراط عقدنا الاجتماعي..لقد كانت الأيام السابقة تاريخاً كاملاً يحكي لنا بالصوت والصورة البداية والنهاية لأمم صغيرة جداً لا تراها العين المجردة...أصغر من أن تُرى وأقل من أن تُذكر وأكثر ميوعة في تاريخ الآخرين..ذابت الكثير من الآراء وظهر الكثير أيضاً ولشدة الاختلاط الذي عانيناه في إراداتنا وقراراتنا أصبح من الصعب علينا أن نفصل بين أسود وأبيض...جميل وقبيح...بل إن البعض باع الغالي بالرخيص واشترى الموجود بالمعدوم وحال بينه وبين التوسط قولاً وفعلاً هذا الغثاء الذي عمّ وطمّ. إن هذه الحيرة المؤطرة بالجهل لم تفقدنا الثقة بالنفس فقط بل إنها بذرت فينا الإحساس بالعداء تجاه كل ما هو غريب وقريب.. لم تحملناً الثقيل فقط ولكنها ايضاً الهبت خواصرنا بسياط العنف والتبّلد..وبينما نهتف طويلاً حول صنم الديمقراطيات الفردية والجماعية ترانا وحداناً حين يكون الأمر وطناً تعيش على أرضه كلحمة واحدة. ليس تبلداً أو هروباً أو انكساراً لكنه الجهل الذي طعمناه وسقيناه وقرأنا بعده بأمّ الكتب على وطن مشروط وحوار مربوط..وأصبح لا فرق عندنا بين أن نحمل على ظهرنا بندقية أو خيطاً رفيعاً يحرك أجسادنا على مسرح العرائس أمام كل الشعوب..لا أدري أين ولد هذا الجحود فينا ومتى..وكيف أنبتت سنابله اليابسة داخل محاجرنا...هل هو التاريخ يعيد نفسه...أم هي الجغرافيا تتقزم لنختصر مسافات الغربة بيننا وبين العالمين..لا أدري..أم تراها موجة التغيير التي علمت البعض أن يتجاهل ماضيه وينكر حاضره وهو ينسلخ من جلدته ليرتدي ثوب سواه من الناس؟. نريد عيداً للولاء الوطني والعطاء اليمني الصادق والحوار لتحقيق الاستقرار. نريد عيداً لا ننسى بعده أن هذا الوطن الذي يعيش حالة الإجحاف والجحود من بعض أبنائه هو الذي أعطانا عراقتنا وأصل جذورنا بين الأمم..وسهل دخولنا عبر بوابة العالم الكبيرة إلى حيث نريد..لسنا بحاجة للمزيد من ضربات الجزاء..والتمريرات الخاطئة...ولن يفيد الوطن أي ضربة ترجيح تعيد اعتباره في عيون الناس. الوطن اليوم ليس متفرجاً على مدرجات الأحداث وليس حكماً لوصف المنجزات...إنه الأرض التي استضافت أحداثه العاصفة وما زالت تنتظر المعجزات التي تنتشل أبناءه من أزمات يعيشونها هوناً على هون. نريد عيداً يضرب على أيدي المخطئين ويحاسب المقصرين ولا يتهاون فيما يفعله المخربون...عيداً يسترشد بالحكمة ويستخدم العقل عيداً ينشر العدل وينصف مظلوم الناس من ظالمهم..يكبر فيه الصغير بأمان ولا يخاف الكبير بعده أن تعيش بلا هوية...نريد عيداً يعطي للطفولة إشارة الرفاهية الخضراء...وللمرأة عنوان التطور والنماء والتميز...وللرجل رمز الدفاع عن بيته ووطنه وإنسانيته. نريد عيداً يحمي ثروات الوطن ويخطط جيداً لاستغلالها ويستخدم أبناؤه للنهوض بمستوى الصناعة والتجارة والزراعة وتشجيع كل ما كانت أرضه اليمن...عيدٌاً يعترف لنا بحقنا أن نعيش خالين من عيوب الخيانة ورغبة التمزيق وأحقاد الماضي. نريد عيداً يرفع هاماتنا لتصل النجوم...يساعدنا لنلحق بركب الأمم...فما صنع العنف؟! فماذا قدم التشطير؟! ماذا خلّف السعي خلف كراسي من حديد؟!وما عساه ينبت بذر الظلم على أرض الحقوق والملكيات؟! لم يصنع هذا شيئاً...لا جديد قدمته الأحداث الماضية سوى أنها قدمت بشراً للموت على طبق من ذهب..قتلت..واثكلت..ويتّمت..ورمّلت ثم بقيت كمرضٍ عصي تخيف هذا وترهب ذاك..لا، لا نريد عيداً نغني فيه ونرقص ونضيء السماء لساعة بالمرفقعات...والظلام يكسو قلوبنا ويحرمنا رؤية المستقبل بوضوح...نريد عيداً يغسل أدران الخوالي..يعيد الكبير كبيراً...ويحفظ حق الصغير حتى يكبر. أيها السادة نريد أن يكون عيد وحدتنا العشرون يوم ولادة لفكر جديد يليق بيمن جديد.