“لا جديد تحت الشمس” جملة نرددها كثيراً حين يسألنا الآخرون عن أخبارنا وما آلت إليه أحوالنا. والحقيقة أن الجديد لا يحدث أبداً إلا إذا حاولنا تغيير الكثير من طرق واستراتيجيات الحياة, التي نعيشها إذ يكتفي الطبيب بوصف الدواء دون البحث في تاريخ المرض, وتوعية المريض بأهمية ذلك, ويكتفي المعلمون والمعلمات بتدشين كل صباح بالسلام الجمهوري أو تحية العلم وتقديم موادهم بمنتهى الروتينية دون أن يحللوا ويجربوا أو يتأملوا, ليبقى العلم مجرد سطور يتلقاها الطلاب والطالبات تلقيناً كما يلقن المحتضر الشهادة, وهو في منتهى الاستسلام للموت, ويكتفي الآباء بتوفير الطعام والشراب والسكن, والأمهات بالطهي والتنظيف ومعاودة الجيران, ولا يأبهون بحاجة الأولاد والبنات إلى جلسات عائلية حميمة تقوي روابط الألفة بينهم وتمنحهم دفعة ولاء قوية لهذا الكيان الجميل.. كيان الأسرة. لكن الجديد الذي نبحث عنه, جديد من نوع آخر كذلك الذي تفعله مجموعة من الناس في العالم لإحداث تغييرات في معايير اجتماعية وسياسية لا ينساها التاريخ أبداً. كتلك التي أقلتها سفينة السلام إلى غزة لتكسر حاجز الحصار المفروض عليها من قبل إسرائيل, أو تلك الجماعة التي أعادت تصنيع النفايات في شكل مواد إغاثية للمتضررين من الفيضانات والزلازل ومختلف الكوارث الطبيعية على هيئة خيام وملابس وبطانيات.. أو تلك التي حولت أرصفة المدن إلى مزارع أو صورة لمزارع صغيرة في تشجيع للزراعة والحفاظ على نقاء البيئة وتجميل شوارع المدن المزدحمة بالسكان. أو تلك التي نذرت أحد أيام الأسبوع لزيارة ذوي الاحتياجات الخاصة وإخراجهم من عزلتهم إلى الحدائق والملاهي والمطاعم وإعادتهم إلى دور الرعاية بعد يوم جميل مختلف تماماً عن باقي أيام الأسبوع. تلك الأحداث التي غيرت مسار أفكارهم وأفكار الآخرين وأثقلت موازينهم بالتأكيد أحداث قام بها بشر مثلنا ليسوا ملائكة ولا يملكون قدرات خارقة كتلك التي يصورها الإعلام الفاشل: بإن الإنسان لا يستطيع صنع الخير إلا إذا كان خارقاً أو فوق العادة. بماذا ننقص عنهم أو بماذا يزيدون علينا..؟! إنها الإرادة في التغيير وصنع أحداث جديدة وتدويرها لصالح الإنسان.. أضعف مخلوقات الله !.. نعم فلو سلط الله علينا نوعاً واحداً فقط من ملايين الأنواع من البكتيريا, التي لا تراها العين المجردة لأفنت الجنس البشرى برمته. فلماذا إذاً تظهر على سطح مجتمعنا كل يوم جماعات مسماة بأسماء أشخاص أو حركات ثائرة لا تفعل شيئاً سوى القتل والتدمير وإفشال محاولات الحوار والعودة بالوطن إلى حالة الأمن والاستقرار التي كانت قبل أعوام ؟! لماذا نترك الفرصة لمثل هذه الجماعات بالظهور على حساب بروز أفكارنا وقدرتنا على العطاء؟! لماذا لا تكون هناك جماعات من الشباب ومن الجنسين يسخرون بعض وقتهم في حملات إغاثة للفقراء والمحتاجين؟! ولماذا لا نحاول أن نتكاتف ونقدم ولو القليل لمن لا يسألون الناس إلحافاً, يفتك الجوع بصغارهم وهم يحتسون كأس الصبر بكامل الرضا؟! “بين عيدين” حملة أطُلقها عبر “الجمهورية” إلى أصحاب الأيدي المبسوطة بسخاء أمام معاناة الآخرين, أدعو خلالها الشباب كباراً وصغاراً إلى مدِّ يدِّ العون لشريحة من الأطفال, تجاوزت حاجتهم أسوار منازلهم ليصلوا إلى الأرصفة التي تحمل على ظهرها النعاج والذئاب معاً, وبما أنهم صغار لا يستطيعون التفريق بين هذا وذاك, فقد تأكل الذئاب عفتهم, وتجبرهم على العهر والسطو والبلطجة, ثم لا يحصلون بعدها في غياهب السجون إلا على طعم الذل والموت البطيء..نعم القانون يعاقب المخطئين, لكنه لا يعلم أن خلف الكواليس دائماً مخطئون كبار وأن هؤلاء الصغار مجرد ضحايا لهم. إنها دعوة للتزاوج بين الإعلام والمال والأعمال في عمل اجتماعي واحد, أدعو من خلاله إلى كسوة أطفال الشوارع, أولئك الذين يجوبون شوارع المدينة وأزقتها بأكوام البلاستيك وكتب الأدعية والمأثورات, دون أن يلتفت إليهم أحد.. أولئك الذين تشتهي أعينهم ثياب العيد, وتتمنى أقدامهم أحذية الدفء, وتلتهم زفرات العناء الحارقة من أفواههم بقايا الأطعمة هنا وهناك. فأرجوكم أن تستشعروا أن يكون بيننا من يموتون جوعاً, ويخجلون من الخروج بين الناس؛ لأنهم لا يملكون ثياباً تواري سوءاتهم, أو يبيتون عبيداً للجهل؛ لأنهم لا يجدون من يعينهم على الالتحاق بالمدارس.. إن من الجميل جداً أن أجد من أبناء هذا الجيل من يريد تقديم مثل هذه الخدمات مجاناً, لا يريد منها إلا وجه الله تعالى في أشهر كريمة, الحسنات فيها مضاعفة, والتجاوز عن الذنوب موضوع, والسخط من الله مرفوع. “بين عيدين” فترة لم يشعر بحلاوتها الكثيرون؛ لأنهم أخذوا ولم يعطوا.. لكنها اليوم دعوة للعطاء فقط حتى تشعروا مع غياب شمس اليوم الأخير, وقبل العيد بيوم واحد فقط كم كنتم محرومين من طعم السعادة إذ لم تجربوا أن تعيشوا معاناة الآخرين. دعونا نرتدي ثياباً جديدة معاً, نحن وهم, لا تتركوا لهم فرصة الاختباء خلف جدران الحارات حياءً من منظر رثٍ ممزق, بينما يرفل سواهم بثياب جميلة مزركشة بالمرح.. وتذكروا أن هذا العطاء سيحول بينكم وبين مصارع السوء ومصائب الأيام وبلايا الزمان والمكان, مما لا يستطيع الإنسان دحرها عن نفسه إلا بهذا العطاء الذي تنقذكم فيه دعوات المحتاجين والبؤساء من مغبة الوقوع فيه. وللذين يريدون أن يضعوا أيديهم في أيدينا أن يحصلوا على أرقام هواتفنا عن طريق صحيفة “الجمهورية” التي تصنع من مواسم العطاء هذه مهرجانات للحصول على بركات السماء والأرض بجهدهم الخالص في تحسس آلام الناس وحاجتهم للعيش الكريم.