أعجبتني فكرة نفذتها جمعية خيرية تركية مؤخرا، فقد رتبت لاستضافة 20 طفلا وطفلة من أيتام قطاع غزة ليقضوا عيد الفطر المبارك الذي نسعد بلحظاته السعيدة هذه الأيام، مع العائلات التركية التي تكفلهم، ومن هؤلاء الأطفال من استشهد آباؤهم في الحرب الصهيونية الأخيرة على القطاع. الفكرة رغم رمزيتها إلا أنها تندرج في إطار حرص هذه الجمعيات والأسر الكافلة على إدخال السرور والسعادة على قلوب هذه الشريحة التي حرمت حنان الأبوة ودفء الأسرة، خصوصا أنها تأتي متزامنة مع مناسبة العيد التي تعتبر عنوانا للفرح والحبور، والتوسعة في المأكل والمشرب والملبس، وإشاعة الود والمحبة بين المسلمين. وإذا كان من أحبّ الأعمال إلى الله سبحانه هو سرور يدخله المسلم على أخيه المسلم، مصداقا لما ورد في الهدي النبوي: "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا.." فما بالك إذا كان هذا العمل في مناسبة سارة كالعيد، التي سنّ الإسلام الفرح بها، وحسن التجمل بأحسن الثياب والهندام وأطيب العطور فيها، وتناول ما يستلذّ من الطعام والشراب خلالها. وقريبا من هذا تم تطبيقه في إطار ملتقى للأيتام عقد في البحرين قبل سنوات حيث تضمنت فعالياته حضور أيتام مكفولين من عدة دول عربية وإسلامية، وهو ما أتاح لبعض الأسر الكافلة استضافة مكفوليهم من الأيتام (من دول أخرى) في بيوتهم، وإكرامهم والاطمئنان عليهم وإشعارهم عن قرب بالحنان والعطف، وقد أخبرني من عايش هذه التجربة الجميلة مقدار ما تركته هذه الزيارة من أثر طيب في نفوس اليتامى الصغار. وإذا كنا في كل عيد نفكر بأفضل السبل التي نستطيع من خلالها إسعاد أطفالنا وأسرنا، والخروج بهم عن روتين الحياة الرتيب، وأجوائها الاعتيادية، فإن ذلك ينبغي ألا ينسينا شرائح كبيرة وكثيرة من المسلمين من الفئات المحتاجة والمعوزة والمنكوبة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا لسان حالها يقول: عيد بأية حال عدت ياعيد .... لما مضى أم لأمر فيك تجديد نظرا لفقر مدقع تعاني من ضائقته، أو لكارثة نزلت بها وما زالت ترزح تحت وطأتها، أو لحرب تصطلي بنارها، وهو ما يتطلب منا تحسس معاناتها الإنسانية، والاجتهاد في رسم البسمة على شفاه أهليها وإدخال السعادة إلى أفئدتهم، ومدّ يد العون والمساعدة لهم، خصوصا الدول التي تعاني ظروفا استثنائية كفلسطين (غزة) أو العراق أو الصومال أو باكستان (سوات) على سبيل المثال لا الحصر. فنلبسهم الجديد من الثياب، ونطعمهم الطيب من الطعام، فيفرحون بالتوازي مع فرحة أولادنا، ويبتسمون مع بسمة أسرنا وعائلاتنا. ومما سرني أن تتجه المؤسسات الخيرية الإسلامية في السنوات الأخيرة إلى التركيز على هذه المعاني الإيجابية في تسويقها لمشاريعها الموجهة لهذه الفئات، فصرنا نقرأ عبارات إنسانية مثل: "اكشف عن ابتسامة يتيم" أو"ارسم بسمة اليتيم" أو"ابتسامة ثمنها الجنة". وإذا كان السواد الأعظم ممن أكرمهم الله بكفالة أيتام أو أسر محتاجة أو طلبة علم فقراء قد يكتفون بتسديد المبالغ المالية المستحقة عليهم نظير هذه الكفالة السنوية، دون تواصل مباشر مع من يكفلونهم، وترك هذه المهمة للجمعيات الخيرية والهيئات الإنسانية، فإنه لا بد من التنويه بأن المبلغ المالي لكفالة الأيتام الذي يدفعه الكافلون وإن كان يسهم في سدّ عوز ما يحتاجه الأيتام وتوفير أسباب الحياة الكريمة لهم، إلا أنه ليس كل شيء، فهناك الكثير مما تشتمل عليه معاني الكفالة، في الجوانب المعنوية، والتي تشعر اليتيم والمحتاج والفقير بكرامته الإنسانية وتكافل المجتمع معه، وهو ما لا يتأتى- في رأينا- إلا بالتواصل المباشر معه، ومعايشته والاستماع إلى همومه، كما لو أنه فرد من أسر الكافلين سواء بسواء. وفي حال تعذر استضافة المكفولين واللقاء بهم وجها لوجه، فإن وسائل الاتصال الحديثة سهلت كثيرا من هذه المهمة وقرّبت البعيد، ولذا فما نقترحه أن يتفقد الكافلون أحوال مكفوليهم دوريا، لاسيما في مناسبة الأعياد، وأن يقوموا بتهنئتهم، من خلال الهاتف والإنترنت، وهو ما يشعر الكافلين بلذة وبركة عمل الخير، والمكفولين بفرحة العيد وبهجته، وبقرب المجتمع منهم ومن معاناتهم، فتزداد أواصر المحبة وتتعزز صلات الإلفة في المجتمع، ويسود السرائر الرضا والاطمئنان، حتى يصبحوا جميعا كالجسد الواحد أخوة ومودة لا فرق بين غني أو فقير. وبالنسبة للذين لم يتذوّقوا بعد نعمة كفالة المحتاجين فإنها دعوة نوجهها في عيد الفطر للتفكير بإسعاد قلوب الفقراء والمساكين، والإقبال على باب من أبواب الخير يغفل عنه كثير من الناس رغم أجوره الكبيرة، فما أجمل أن نقوم بذلك بدءا بدوائر الأرحام والأقربين والجيران، لتتوسع الدائرة بعد ذلك إلى عموم المعوزين في الأمة مع التركيز على الفئات الأشد حاجة، وما أكثرهم في هذه الأيام، مع كل جرح ينزف من جراح الأمة، وكل تأوه لأوجاعها ومصائبها. وثمة أفكار كثيرة تندرج في إدخال الفرح على قلوب المحتاجين- حتى بدون الكفالة- من قبيل الإسهام بما تقوم به الجمعيات الخيرية من مشاريع "كسوة العيد" أو "هدية العيد" وغيرها، وقبل هذا وذاك فإن زكاة الفطر التي أوجبها الله على المؤمنين تندرج في هذا السياق باعتبارها طهرة للصائمين وطعمة للمساكين، كما يمكن للمؤسسات الإنسانية أن تبدع في هذا المجال من خلال تنظيم وإقامة البرامج والمهرجانات الاحتفالية لهذه الشرائح التي تساهم في إسعاد قلوب صغارهم في البلاد التي يقيمون فيها، فتفيض نفوسهم بالفرح وتتهلل وجوهم بالبشر، وتتحقق المقاصد الشرعية والاجتماعية والإنسانية من العيد. تقبل الله منا ومنكم سائر الطاعات، وجعل أيامكم ودياركم عامرة بالفرح والمسرات، وكل عام وأنتم بخير وعافية.