من يستطيع أن يوقف زحفه.. أو يكسر شوكته.. أو يهز جذوعه.. أو يلقي في وجهه خطاب البؤس والتعب.. من يجرؤ أن ينتصب أمامه كأشجار الغاب المعمرة.. أو يتحدى أو يصرخ أمام طغيانه.. لاأحد..لاأحد على الأرض يستطيع أن يفعل شيئاً أمام جبروته وسطوته.. إنه الخبث الذي تخاف أن تلقاه النفوس والكلمة المحرمة التي تخشاها الألسن والشعور البغيض الذي لاتتمناه لأنفسها الأجساد.. السرطان ..المرض الذي يحمل نفسه على جنازة.. لايدخل جسداً إلا وقد حمل معه أكفانه وحنوطه ثم يتسلل كالريح حين تعبر شقوق الأضرحة ليعلن صفيرها عن قادمٍ آخر إلى مقابره الغارقة بالألم.. هاقد غزا أجساد الكثيرين والكثيرات ممن لاحول لهم ولاقوة إلا بربهم ثم بالتكافل الذي دعا إليه هذا الدين العظيم.. ديننا الذي علمنا أن نعطي عطاء من لايخشى الفقر.. عطاء السر والجهر[إن تخفوا الصدقات فَنِعمّاهي وإن تبدوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم سيئاتكم والله بما تعملون خبير] صدق الله العظيم البقرة 271. العطاء الذي لاتخرجه إلا وأنت واثق من عطاء الله وأنه وحده الذي يعطي ويأخذ.. لن نستطيع أن نجبر مريضاً من أولئك على الابتسام وهو يتلوى ألماً.. ولو جئته بكل ماتملك فما عساه يصنع بثروة طائلة وهو لايذوق للطعام أو الشراب أو النوم أو الراحة طعماً؟! ماعساك ستقول لأحدهم لتخفف عنه؟! نحن لانعطيهم المال ليشتروا ثياباً تجملهم أو ألعاباً تسليهم أو طعاماً تشتهيه رغباتهم.. نحن نعطيهم المال ليلقموا بالدواء فك السرطان فيخفف من أناة يسمعها الليل وتبكيها النجوم وتخر من هولها شهب السماء!! أما غير هذا مابأيدينا حيلة.. وتبقى التوعية بخطر مسببات المرض والكشف المبكر عند حدوث أي أعراض تشكك في وجوده واجباً شرعياً يجب أن يستيقظ له الغافلون عنه من أطباء ومعلمين ووعاظ وأئمة مساجد.. إنه كارثة خفية تفتك بالبشر.. تثير الرعب في أنفسهم حتى يموتون خوفاً قبل أن يتمكن منهم بجيوشه التي دربها على آليه الاختباء خلف الأيام والظهور بغتة أمام الأجساد الملغمة به وكأن السرطان مخلوق يخطط ويتكتك وينفذ مايشاء على أجساد البشر.. أتساءل حين أسمع باسمه هل هو سليل عائلة الشيطان؟!! في فعالية جميلة من فعاليات المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان قامت المؤسسة بافتتاح طبق خيري وتوعوي يوم الأربعاء 8 /4/ 2010م يهدف إلى اشراك جميع شرائح وفئات المجتمع بخطر هذا المرض ويضع الجميع على ساحة العطاء والتواصل مع المؤسسة.. كانت المساهمات العينية المتمثلة في أنواع مختلفة من الطعام قد ساهم بها أصحاب العلامة التجارية على مكتب المال والأعمال اليمنيبيت هائل تفضلت نساء الوجهاء والأعيان بالكثير وشاركت أخريات بالدعم المادي وكان صورة جيدة للتكافل الذي دعا له ديننا الاسلامي الحنيف. وكخلية نحل بدأ ذلك اليوم على أرض مدرسة محمد علي عثمان من التاسعة صباحاً وحتى الثانية بعد الظهر كبازار خيري لصالح مرضى السرطان ويهدف افتتاح وحدة الأمل لعلاج الأورام السرطانية حضرت كمشاهدة ومشاركة لكني ذهلت لما رأيته من اقبال طلاب وطالبات المدارس على شراء الكثير لهم ولسواهم.. فالمهم اليوم.. على حد تعبير محمد أحمد أحد طلاب الثانوي- المهم اليوم هو الشراء لصالح أولئك الأطفال الذين لانستطيع أن نقاسمهم الألم لكن لعلنا نستطيع أن نقول لهم أننا هنا نشعر بمعاناتكم من هذا المرض الذي يسابق الموت. القاعة الكبيرة.. مترامية الأطراف المشاركات معلمات وأمهات وزوجات أعيان وقفن خلف أطباقهن المميزة التي تعلن عن كرم القلوب وجود النفوس وعلو الأيدي.. وقفن يبعن ماصنعت أيديهن بل ويرغبن المشترين من الطلاب والزوار بالعطاء وفضل العطاء وأن هذا المرض الذي ارتفعت نسبة الاصابة به في اليمن لدرجة مخيفة وكان نصيب تعز منه الجزء الأوفر أصبح لايبقي لنا خياراً آخر غير اعلان التكاتف والوقوف يداً واحدة لتضرب بقوة على هذا الألم.. المادة العلمية التي عرضت خلال فترة التسوق حملت الكثير من الإحصاءات التي دفعت بالطلاب والطالبات كباراً وصغاراً إلى بذل المزيد حتى آخر عشرة ريالات في جيب أحدهم. لم يكن الطعام الذي قدم على موائد اليوم البازاري المميزطعاماً عادياً بل جمع بين أشهر وجبات الغداء اليمنية (زربيان- عقدة- زجني) وأنواع كثيرة من الساندوتش(جبن- بيض- لحم- دجاج) وسلطات مختلفة الأشكال والألوان والكثير من الحلوى الجميلة في منظرها واللذيذة في مذاقها وقد لاحظت اقبال الطلاب على الحلوى بعد الانتهاء من تناول وجبات طعام دسمة شعرت وأنا أجوب زوايا المكان أنني في مطعم فاخر لايقدم إلا أطيب مايمكن.. وهذه اللفتة كريمة جداً من أولياء الأمور الذين صمموا أن يتنافسوا في الحصول على الأجر وبأقصى طاقة للدعم فصنعت الأيدي الكثير مما تشكر عليه. وهذا مايجب أن يحدث بالفعل في مثل هذه المناسبات الهامة إذ أن المصاب كبير ودائرة المرض تتسع ومهما كان الدواء فهو لايكاد يمنع موجة الألم التي تكاد تغرق صاحبها في بحر الموت إلى الأبد.. هكذا يجب أن نكون في أزماتنا لانعطي إلا مايستحق أن يظهر.. وقد ظهر جلياً بالفعل وشعرت أن نساء هذا الوطن يجب أن يكرمن كأفضل نساء يجدن الاعلان عن أنفسهن بطريقة راقية وخفية في نفس الوقت فلهن كل احترامي.. كان للمكان زوايا أربع.. لكن باختلاف المعروضات أصبحت الزوايا أكثر.. فمن الطعام والحلوى إلى المشروبات الساخنة والباردة.. إلى ألعاب أطفال قمصان جميلة خاصة للصلاة.. مشغولات يدوية جميلة جداً عبارة عن طرحات سوداء بأزهار ملونة ورقيقة وأقلام ارتدت أشكالاً وألواناً من الزينة الجذابة للفتيات.. ومختصة بالنقش على الجسم زخرفت أيدي الصبايا بأجمل النقشات المحلية والأجنبية وأخرى ترسم على وجوه الأطفال فراشات ووجوه قطط وأزهار.. جو رائع وكأنه احتفال كرنفالي خاصة وأن ادارة المدرسة تكرمت باعطاء الإذن للجميع بالحضور بثياب جميلة وكان إن حصل الزي المدرسي على اجازة رسمية في يومٍ مفتوح كان الجميع يتسابق في الحصول على أعلى درجات البذل والعطاء، لأن أولئك المرضى يستحقون الحياة بسعادة.. ولو لم يبق من أعمارهم شيء. معلمون ومعلمات تعمدوا جميعاً أن يكونوا قدوة لطلابهم.. فبدأوا بشراء طعام الافطار وتناول الحلوى والتبرع للصندوق الخاص بالتبرعات ثم وقفوا يشاهدون شيئاً من المادة العلمية المعروضة في زاوية خاصة.. شجعوا الجميع على الشعور بالأطفال والنساء المصابات بالسرطان.. أحد الطلبة انحدرت دمعة ساخنة على وجنته وهو يخبرني أن والدته خارج الوطن وأنه كان يتمنى أن تشارك في هذه المناسبة كما تفعل دائماً في أعوام سابقة.. شعرت بالحزن وأياً كان السبب للسفر فقد تمنيت ألا تكون والدته مريضة بهذا المرض.. طالبة أخرى حرصت ألا تبقي لها شيئاً من المال وقالت إن قريبتها التي كانت تحبها جداً توفيت بهذا المرض وأردفت: لو كانت «نهى» عاشت لكانت الآن معي على نفس المقعد الدراسي.. إنها صغيرة في سني.. الكل حرص على تقديم الدعم.. وحتى زاوية المسابقات المرحة لم تخل من التوعية والترغيب بالدعم والنهوض بالواجب الاجتماعي. تقسيم عادل: كان الخروج للتسوق وتناول الطعام والتبرع منظماً جداً.. الصغار أولاً وبمنتهى النظام والالتزام بالوقت المحدد.. ثم الكبار طلاباً وطالبات وبعد انتهاء الدوام الرسمي حتى الساعة الثانية كان للجميع حق الحصول على مايشاء مما يشاء. أما من ناحيتها فقد قامت إدارة المؤسسة الوطنية للسرطان بتقسيم جيد لعرض المأكولات حيث بدأت صباحاً بعروض متعددة لوجبة الإفطار ثم تدرجت زمنياً لتزامن وجبة الغداء التي أبدعت أيدي المشاركات بصنعها وأبدعت الأخوات في تقديمها بشكل نظيف وجيد وحيوي.. فتحية تقدير لأولئك الشرفاء الذين لايرجون خلف هذا درهماً ولاديناراً.. تحية لإدارة المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان بقيادة الأخ الأستاذ/مختار المخلافي الذي شدد وهو يجوب معنا أرجاء المكان على أهمية البذل والعطاء الصادق لصالح هؤلاء..