ليست السياسة في المنطق الصحيح نوعاً من اللهو والتلاعب والكذب والخداع ..!وليست الديمقراطية والتعددية السياسية بأي منطق تعني الفوضى والحرية غير المسؤولة..! لماذا إذن تحاول بعض القوى السياسية في بلادنا أن تجعل من السياسة جلباباً للعبث.. ومن الديمقراطية جسر مرور للهروب من الواقع والقفز عليه وكأنما قد أفقدتها جوهرها العلمي ومضمونها الدياليكتيكي وحولتها إلى معتقد «سكولاستيكي»..! ما قيمة الديمقراطية والتعددية بدون الحوار ؟! وما فائدة أي حزب أو كيان سياسي اجتماعي إذا كان جامداً لا يجيد لغة الحوار ولا يتقن إلا الاستثمار «الديمقراطي» للإثارة والهذيان والجدل العقيم الذي ينتج الغموض ويحقن الواقع بمتاهة اللاوعي ..! الآن وحتى بعد أن تجلَّت جدية دعوة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح للحوار بين أطراف المعادلة السياسية على أساس اتفاق فبراير الذي وقع بين المؤتمر «الحاكم» .. و«المشترك» المعارض.. حتى بعد أن تأكدت وتجددت الدعوة من رأس هرم الدولة.. نرى هنا وهناك في نطاق مسرح «اللعبة» القديمة والجديدة زمراً منفعلة وحيلاً مبتكرة يريدها البعض أكثر دهاءً بينما هي ليست سوى بلاهة .. ! لأن من يرفض الحوار وينكث العهود والاتفاقات ويرفضها يبدو كما لو أنه أعلن قراراً تمردياً على الديمقراطية وأشهر موقفاً عدائياً لاستحقاقات الشعب والوطن..! لقد أدهشتنا وأذهلتنا أحزاب «المشترك» بقدرتها الخارقة على تبادل العباءات والأقنعة والأدوار والجلابيب في «مرونة» لم نعهدها في عالم الأحزاب التي تدعي العقائدية ..! فالظلاميون «أساطين» الاستبداد والتعصب، تحولوا عندنا إلى ليبراليين ودعاة لقيم الحرية والعلمانية ..! والتقدميون اليساريون يقيمون اليوم من الأضرحة والمزارات ما لم تعرفه أضرحة الأولياء.. ويأخذون بالاتجاهات الوثنية وتهاويل الكهنة ما لم تأخذ به «المدرسة الملطية» ومغذياتها الفكرية التضليلية بزعامة طاليس ..! صار طغاة العهد المظلم منظرين للحداثة والمعاصرة .. وصار دعاة التنوير وحملة المشروع الحضاري التحديثي بالأمس واعظين كما لو أن علمانية الحوار والانفتاح على الآخر عمل من رجس الشيطان..! والأمر هنا يثير تداعياته ودواعي العجب والعجائب..! لماذا فقط هذه الأحزاب تتحول إلى كيانات «خشبية» عندما يتعلق الأمر بالحوار الوطني ليس فقط من أجل الاستحقاقات القادمة ولكن أيضاً لتأسيس نهج مؤطر بالمؤسسية ومستمد مشروعيته من الثوابت وخيارات الشعب..! أين «المرونة» هنا .. أم أن المسألة مغالطات وكذب ومواقف «لعوبة»، المواطن والوطن هو من يتحمل تداعياتها الكارثية..! الفرصة لاتزال الآن مفتوحة لكل القوى السياسية لمراجعة حساباتها والعودة إلى جادة الصواب بالعودة إلى طاولة الحوار بدون شروط تعجيزية، بدلاً من مناطحة صخور الأوهام وطغيان الذات والتهويم في متاهات ليست من المنطق والعقل في شيء..!