كُتُبُ السماء لاتشبه كُتُب الأرض.. لأن الأرض إنما خلقت لتكون أرضاً يطأها البشر وتسير عليها الدواب وتسكنها الهوام والجِيف وأشياء أخرى لانعلمها.. لكن السماء سقف مرفوع.. كتبها ناطقة بسموها.. ورفعتها.. ورهبتها.. وتنزهها عن النقائص.. تلك الكتب أصابها التحريف وطالها الزيف ظلمٌ جنى به الناس على أنفسهم.. إلا ذلك الكتاب الذي أعزّ به الله تعالى هذه الأمة لأنه منهجها وفيه قوام صلاحها لما يحتويه من أحكام.. وترغيب بها.. ومخالفاتٍ جسام والترهيب منها.. قصص وحكايات وعبر.. لحظات قوة تنسف الجبال ولحظات ضعف تلحد القبور.. آيات تقلّك على سحاب الغفران بلا خوف إلى رب رحيم.. وأخرى تذروك رماداً لخوف من عزيز حكيم.. ويعيش المرء مع هذا الكتاب لحظات صفاء وتسامح وروحانية.. وكل حرف يتلوه الإنسان بعشر حسنات.. فأضف إلى رصيدك الجاري ما شئت من هذه الرحمات.. فما بالكم بمن يحفظه عن ظهر قلب؟!.. إنه محشور مع ملائكة الله السفرة البررة.. ولست اليوم في صدد التذكير بفضل القرآن ومزاياه وإن كان ذلك شرفاً قد لا أستحقه.. لكني بصدد أمر آخر هام قد غفل عنه أصحاب الشأن في خضم انشغالهم بما هو أدنى أهمية وأقل قيمة.. ففي موجة التكريم التي تتجاوز الأخضر لتحصد اليابس.. تأخذ الغث وتدع السمين ننسى جميعاً أن نكرم أولئك الذين انحنت ظهورهم وهم يلقوننا القرآن حرفاً حرفاً.. حركة حركة.. لايسأمون لغطنا.. ولايملون تعثرنا.. ولا يلومون نسياننا ولا يقتلون فرحتنا إذا أجدنا ورتّلنا وفرحنا بأن أصبحت قلوبنا مستودعاً لأطيب حديث.. لأجل متحدث جل وعلا . هؤلاء الطيبون والطيبات لماذا لا يلتفت إليهم القائمون على أمر التربية ألأننا وصلنا إلى زمن تقديس الكتب المدرسية وتنزيل الكتب السياسية وتمجيد الكتب الاجتماعية ونسينا كتاب الله الذي هو عنوان كل مسلم ووجهته وسبيل بقائه بعيداً عن الميل والانحلال والظلم والبطش وفساد الرأي والجنوح لعبث الشيطان في قلوب البشر .. هل أصبح الغثاء أعلى وخلاصة الحكمة في قاع الإرادة لدينا حتى لم نعط هذا الكتاب الجليل قدره ومن يعلمه أو يتعلمه ؟!. ففي كل عام وحين تدق أجراس الاحتفال بالمعلم . انتظر ان يتم تكريم معلم القرآن أو معلمة القرآن وإعطاؤهم ما يستحقون كونهم لا يحصلون على تلك البدلات أو ذلك الألق الذي يحظى به الآخرون في مجال التربية والتعليم كما انهم مهضومون مادياً إلى أقصى درجة .. فمن يصدق ان معلمي ومعلمات القرآن لا تتجاوز رواتبهم الخمسة عشر ألفاً . فتخيلوا قدر الظلم الذي يلحق بمن يؤدون رسالة سامية نظيفة من شوائب الحياة لا يرجون بذلك إلا وجه الله تعالى زاهدين بما قدمته الدنيا لسواهم فانجرفوا خلفه كسيل جارف لا يملكون من أمر دينهم شيئاً بينما ملكوا من أمر دنياهم الكثير متى يأتي ذلك اليوم الذي نقدر فيه حجم مسئولياتنا وما استخلفنا فيه جنوداً لله لا أكثر . ان من أجلّ النعم علينا نعمة مدارس القرآن ووجود جمعيات تخدم القرآن الكريم والسنة النبوية .. وهي جمعيات تحتاج إلى دعم قوي لتستطيع الوقوف في وجه التيارات الخارجية التي تحارب القرآن الكريم وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم) . إنني أدعو كل من له علاقة برعاية القرآن الكريم إلى الالتفات بصدق إلى هؤلاء المعلمين والمعلمات الذين لا تقل أهميتهم عن معلمي ومعلمات المدارس ان لم يكن الاهتمام بهم أوجب كونهم من أولياء الله الصالحين.. وأحب ان اذكّر بحديث شريف للنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه (إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه أو الجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط) صدق رسول الله في حديث حسن أخرجه ابو داود ويقول صلى الله عليه وسلم ( من عادى لي ولياً فقد بارزني بالحرب) أخرجه البخاري . نعم فهؤلاء من أولياء الله وينبغي البر بهم ولعل دعوة صادقة بإصلاح حال الأمة تخرج من قلوبهم صادقة يصلح الله بها حال شبابنا وشاباتنا اليوم فمن حق معلم القرآن أن يوضع في منزلته الصحيحة حتى وإن لم تكن منزلته رقمية انما في مقام رفيع جليل يليق بأمة محمدية ما أنزل القرآن عليها إلا ليتبع .. فلا تجعلوا القرآن حجة عليكم يوم القيامة وارفعوا من شأنه فانه محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك أو كما قال صلى الله عليه وسلم انهم من خيرة الناس بدليل قوله صلى الله عليه وسلم (خيركم من تعلّم القرآن وعلمه) نتمنى ألا يأتي عيد المعلم القادم إلا وقد وضع معلم القرآن في عين الاعتبار قيمة وتكريماً واحتفاءً وعلى كل حال فالملاحظ ان هؤلاء الطيبين والطيبات بعيدون تماماً عن حطام الدنيا وزينتها .. انهم يرون الحياة بعيون الموت .. كل شيء فيها إلى زوال.