لقد جعل المولى عز وجل صيام رمضان فريضة على كل مسلم ومسلمة، بشروطه المعتبرة، التي جاء بها الكتاب والسنة، كما قال سبحانه:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» فدل على أنه عبادة لا غنى للخلق عن التعبد بها، لما يترتب على أدائها من جليل المنافع وطيب العواقب، وما يحدثه من خير في النفوس وقوة في الحق، فكان أن جعل الله تعالى لهذا الشهر خصوصيات وفضائل جمة لا يتسع بنا المجال لذكرها وإنما سنذكر أهمها : - إن أفضل فضائل هذا الشهر الكريم وأكرم خصائصه، أن الله تبارك وتعالى قد اختاره ليكون وقتاً لنزول القرآن، هذه ميزة امتاز بها شهر رمضان ولهذا أفردها الله تبارك تعالى بالذكر في كتابه، فقال تعالى : «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن». - إن الصوم لله عز وجل وهو يجزي به من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف , قال الله عز وجل : إلا الصيام فإنه لي , وأنا أجزي به , إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي» وقد قال ابن رجب معلقا على هذه الرواية : « الأعمال كلها تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف , إلا الصيام فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد, بل يضاعفه الله عز وجل أضعافا كثيرة بغير حصر عدد , فإن الصيام من الصبر, وقد قال الله تعالى : « إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ». - ومن خصوصيات هذا الشهر المبارك ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال:«إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة» وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين» ولا يخفى ما في ذلك من تبشير المؤمنين بكثرة الأعمال الصالحة الموصلة إلى الجنة، وما يتيسر لهم من أسباب الإعانة عليها والمضاعفة لها وما جعله الله في رمضان في دواعي الزهد في المعاصي والإعراض عنها، وضعف كيد الشياطين وعدم تمكنهم مما يريدون. - ومنها أيضاً، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» فمن صام الشهر مؤمنا بفرضيته محتسبا لثوابه وأجره عند ربه، مجتهدا في تحري سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فيه فليبشر بالمغفرة. - ومنها أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك , لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله عز وجل يوم القيامة من ريح المسك» . وقد قال ابن رجب في ذلك : « خلوف الفم : رائحة ما يتصاعد منه من الأبخرة , لخلو المعدة من الطعام بالصيام , وهي رائحة مستكرهة في مشام الناس في الدنيا , لكنها طيبة عند الله حيث كانت ناشئة عن طاعته , وابتغاء مرضاته وفي طيب ريح خلوف الصائم عند الله عز وجل معنيان أحدهما : أن الصيام لما كان سرا بين العبد وربه في الدنيا , أظهره الله في الآخرة علانية للخلق , ليشتهر بذلك أهل الصيام , ويعرفون بصيامهم بين الناس جزاء لإخفائهم صيامهم في الدنيا .. والمعنى الثاني : أن من عبد الله وأطاعه وطلب رضاه في الدنيا بعمل , فنشأ من عمله آثار مكروهة للنفوس في الدنيا , فإن تلك الآثار غير مكروهة عند الله , بل هي محبوبة له , وطيبة عنده , لكونها نشأت عن طاعته وإتباع مرضاته , فإخباره بذلك للعاملين في الدنيا فيه تطييبٌ لقلوبهم , لئلا يكره منهم ما وجد في الدنيا » - إن الله أعد لأهل الصيام بابا في الجنة لا يدخل منه سواهم , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن في الجنة بابا يقال له : الريان , يدخل منه الصائمون يوم القيامة , لا يدخل معهم أحد غيرهم ,يقال : أين الصائمون ؟ فيدخلون منه , فإذا دخل آخرهم أغلق فلم يدخل منه أحد» . - ومن فضائل رمضان، أن الملائكة تطلب من الله للصائمين ستر الذنوب ومحوها، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الصوام: “وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا» والملائكة خلق أطهار كرام جديرون بأن يقبل الله دعاءهم، ويغفر لمن استغفروا له، والعباد خطاءون محتاجون إلى التوبة والمغفرة كما في الحديث القدسي الصحيح، يقول الله تعالى: “ يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم» فإذا اجتمع للمؤمن استغفاره لنفسه واستغفار الملائكة له، فما أحراه بالفوز بأعلى المطالب وأكرم الغايات. - ومن خصائص رمضان أن العمرة فيه تعدل حجة، فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عمرة في رمضان تعدل حجة » وفي رواية: حجة معي.ومن خصائصه، أن الصوم يشفع لصاحبه يوم القيامة , كما في حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “ الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة , يقول الصيام : أي رب , منعته الطعام والشهوة , فشفعني فيه , ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعني فيه , قال : فيشفعان. فينبغي للصائم أن يتلقى هذا الشهر الشريف بالحمد والشكر والثناء على الله وبالقبول والفرح والتهاني، والاهتمام بأداء حقوق الصوم، فيعمر نهاره بالصيام وتلاوة القرآن وليله بالقيام والدعاء والتضرع. [email protected]