كنت كلما قرأت قصة أصحاب الكهف وأنا طفلة أتساءل لماذا بعد أن تكفل الله بحمايتهم وحفظهم بعينه التي لا تنام في ذلك الكهف ونجاهم من القوم الظالمين ثم عادوا للحياة ما لبثوا أن غادروها مرة أخرى رغم أن السبب الذي مكثوا من أجله في كهفهم قد انتهى ؟ لماذا لم يعيشوا فترة من الزمن بعد يقظتهم خاصة وأن المدينة التي خرجوا منها قد آمن أهلها وهلك الملك الظالم فيها وجاء مكانه رجل صالح ؟ لماذا ماتوا دون أن يتمتعوا بالعيش في كنف المجتمع المؤمن وهي الفكرة التي طالما حلموا بها وتمنوها ؟ وقبل أيام فقط وفي أثناء قراءتي لسورة الكهف عادت لي أسئلة الطفولة والتي وجدت لها الجواب مؤخرا فالإيمان في قلوب الناس وإن بلغ منتهى الإخلاص وحصل على القبول الإلهي لا يكفي وحده للقيام بمهمة الاستخلاف، فقد عاد أصحاب الكهف لكن المدينة والطرقات والملامح والوجوه والعملة النقدية والجو العام كله قد تغير وحتى إن صار الإيمان عاملا مشتركا إلا أن فجوة متعددة الأبعاد ستظل قائمة بينهم وبين المجتمع الذي صحوا عليه مؤخرا ستضطرهم للعودة إلى كهفهم مرة أخرى، ولهذا شاءت إرادة الله أن يعودوا للحياة آية لهم ولغيرهم فقط أما البقاء فما عاد مناسبا لهم لأن الشهود الحضاري يحتاج إلى الوعي بلغة العصر والتفاعل مع متطلبات الواقع ويوم أن يصبح المؤمن عاجزا عن هذا الشهود فإن الله يحب لقاءه أكثر من بقائه عاجزا مندهشا ولا يملك أي تفسير لكل ما يدور حوله وما يحدث من تغيير .