الإسراف يبدد ثروات الأمة ويهدد وحدة المجتمعات حيث ظلت مجتمعاتنا العربية والإسلامية قروناً عدة تدرك مخاطر الإسراف والتبذير سواء على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والحكومات يحدوها في ذلك منظومة قيمية أرساها ديننا الإسلامي وتعاليمنا لكن رياح الحضارات الغربية التي صبت بعنف على العالم العربي والإسلامي غيرت وبدلت كثيراً من المفاهيم والممارسات الايجابية، ففي الغالبية من مدارسنا وجامعاتنا يتلقى الطلاب درسهم الأول في عالم الاقتصاد على اعتبار أن المسألة الاقتصادية هم الجميع شعوباً وحكومات. وهكذا دخلت في حياتنا المعاصرة أشياء جديدة أصبحت ترهق موازنات الحكومات والأسرة لم يكن لها وجود في السابق وتحملنا بين عشية وضحاها في أيدي التجار والسوق وأصبح بعضنا مجرد آلات صرف تنفق بلا حساب وتفشت فينا ثقافة الاستهلاك والتبذير. وبمرور الوقت تجاوز الأمر والواقع المنظور الطرح النظري والعملي إلى الواقع المعاش فأصبحنا جزءاً من سوق الرأسمالية العالمية علينا أن نستهلك ما تدفعه إلينا بغض النظر عن حاجتنا إليه ابتداءً من الأسلحة والمعدات التي يأكلها الصدأ. وإذا دققنا النظر في كثير من أوجه إنفاقنا لوجدنا ظواهر التقليد والتباهي والتفاخر والسرف وراء هذا الانفاق غير ضرورية واضيفت بنود أخرى إضافة إلى موازنة الأسرة والحكومات إضافة إلى الطعام والشراب والعلاج والتعليم والكهرباء والمياه والهاتف والتنمية، بيد أن الغريب في سلوك الإنسان العربي الاستهلاكي يطال أشياء غير ضرورية وبشكل يرهق موازنات الأسرة والحكومات وحتى الجمعيات والمؤسسات وهو سلوك لا ينفصل عن سلوك بعض الحكومات العربية في إنفاق كبير في الموازنة على أشياء غير ضرورية أو ترهق موازنات الدول والحكومات وتؤدي إلى تفشي ظاهرة التسول والبطالة ينعكس ذلك على التعليم والبحث العلمي ومشاريع التنمية ويظهر العجز واضحاً في نهاية العام. وتكشف المعلومات على صعيد الأسرة أن أكثر الشرائح انفاقاً لا ضرورياً هي النساء في شراء الملابس وأدوات الزينة بصورة ترهق موازنات الرجال لا سيما في مواسم الإعراس والأعياد، وفي دراسة أجريت حديثاً على عدد من الدول العربية كشفت ان ما يلقى من مواد غذائية في صناديق القمامة يصل في بعض الحالات إلى 54% من حجم القمامة ودراسة أخرى عن الإسراف والتبذير على المأكولات المدرسية في مدينة واحدة في إحدى الدول أثبتت أن الإسراف اليومي يبلغ نحو مليون دولار والإسراف السنوي 365 مليون دولار. وكشف بحث علمي عن نتائج أخرى خطيرة منتشرة في العالم الثالث حيث الإنفاق على أمور غير ضرورية كالسجائر والتدخين بما قيمته 4 مليارات سنوياً و2.6 مليار على المقاهي للشباب والعاطلين والمتقاعدين ضياع للوقت. وهذا يقودنا إلى الإجراءات الأخيرة التي اتخذها مجلس الوزراء في بلادنا الجمهورية اليمنية بصدد التقليص في الإنفاق للقضايا اللاضرورية واتخاذ الخطوات اللازمة بصدد التنفيذ الخلاق لهذه الإجراءات للتعامل بصورة خلاقة ومبدعة مع التوجيهات الحكومية لما من شأنه التقيد الصارم ببنود الصرف من الموازنة العامة للعام الحالي 2009م والدفع للجانب الايرادي العام والمشترك باتجاه التجسيد العملي لكافة الأمور المتعلقة بالتنمية الاقتصادية.