محمود الحداد - شكك البروفيسور سيف العسلي – وزير المالية اليمني السابق- بنجاح المبادرة التي أطلقتها الأمم المتحدة المشهورة بأهداف الألفية 2000م-2015م مشيرا إلى أن جميع المؤشرات تدل على تعثر الجهود في تحقيق الحد الأدنى من التوقعات . وقال إن ما يضاعف الحسرة أن التعثر لم يقتصر على بعض الأهداف بل شملها جميعاً ولم يقتصر على بعض الأقاليم بل شملها كلها ولم يقتصر على بعض الدول بل عمَها كلها . منوها إلى أن هناك شركاء ثلاثة في تحقيق هذه الأهداف في أي بلد وهي الدولة والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وتعد الدولة أهم الشركاء إلا أن عدم إدراك الدولة لأهميتها في تحقيق هذه الأهداف وكذلك بقية الشركاء يعد أهم الأسباب التي تفسر تعثر عملية تحقيق هذه الأهداف سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي أو المحلي . وأوضح وزير المالية السابق في ورقة عمل قدمها أمس في الحلقة النقاشية التي نظمتها مؤسسة برامج التنمية الثقافية حول الموازنة العامة للدولة وتحديات الألفية الإنمائية بعض المساعدات لمعالجة هذا الاختلال من خلال مناقشة الدور المفترض للدولة والأدوار المفترضة لبقية الشركاء عبر موضوعين أساسيين هما العلاقة بين الموازنة العامة وتحقيق هذه الأهداف وكذلك الوسائل المتاحة لتصحيح هذه العلاقة في حال اختلالها . وفي تحليل العسلي حول العلاقة بين الموازنة العامة وأهداف الألفية قال إن من أهم مكونات الموازنة العامة هو تمويل التعليم بمختلف مستوياته خصوصاً التعليم الأساسي ، مشيراً أن زيادة نصيب التعليم بشكل عام من الإنفاق العام في الموازنة العامة برهن على مدى التزام الدولة بواجباتها وفقاً لمبادرة أهداف الألفية إلا أن نصيب التعليم الأساسي في الموازنة العامة لم يزد كثيراً وقد انعكس ذلك على تحقيق أهداف الألفية في هذا المجال على الرغم من مرور أكثر من نصف المدة المحددة لتحقيق هذا الهدف في 2015م . واعتبر تحسن مؤشرات التعليم الأساسي ليس مرده زيادة نصيبه من الإنفاق المحلي في الموازنة العامة وإنما كان نتيجة للمساعدات التي حصلت عليها اليمن من المنظمات الدولية وبعض الدول المانحة . كما تطرق العسلي إلى تحسين الظروف الصحية للأطفال والأمهات كهدف من أهداف الألفية قائلاً " إن المسئولية تقع على عاتق الدولة ولتحقيق هذا الهدف فإنه لا بد من تخصيص الدولة في الموازنة أكبر قدر ممكن من الموارد وخصوصاً تلك الموارد التي تذهب لتمويل الصحة الوقائية والصحة الأولية ، مشيراً إلى أن نصيب الإنفاق الصحي في الموازنة العامة لم يتغير بالقيمة الحقيقية وتعد هذه النسبة من أقل النسب ضمن الدول المشابهة لليمن . وأضاف أن من أهم المؤشرات على سعي الدولة لتحقيق أهداف الألفية هو حجم الموارد المخصصة للضمان الاجتماعي ، مشيراً أنه بالرغم من زيادة حجم الموارد المخصصة لذلك في الموازنة العامة ، حيث تصل نسبتها إلى ما يقارب (30%) من حجم الإنفاق العام وإلى أكثر من (10%) من الناتج المحلي إلا أن تأثير ذلك على الفقر كان محدوداً لأنه موجَه للمجالات التي لا يستفيد منها الفقراء حيث يذهب الجزء الأكبر من هذه المخصصات لدعم المشتقات النفطية والتي يستفيد منها وبنسبة أكبر الأغنياء وليس الفقراء مستغرباً من رفع الدعم عن سلعة القمح الأساسية للفقراء . وفيما يخص وسائل التأثير على الموازنة العامة ، قال وزير المالية السابق أنه كان بإمكان الشركاء الآخرين للدولة التأثير على تصرفات الحكومة وبالتالي السعي لزيادة مخصصات التعليم والصحة والضمان الاجتماعي وتوجيه هذه المخصصات إلى المجالات ذات الصلة بالفقراء وذلك من خلال السعي لإعادة هيكلية الموازنة العامة بما يخدم أهداف الألفية .. منوهاً إلى أن الموازنة العامة لم تعكس أهداف الألفية بشكل جدي وحتى في ظل القوانين واللوائح الحالية فقد كان بإمكان الشركاء المحليين تغيير تصرفات الحكومة هذه بما يخدم تحقيق أكبر قدر من أهداف المبادرة وذلك عبر وسائل متاحة عند مناقشة الموازنة العامة لمجلس النواب والوزراء اللذين بإمكانهما بموجب الصلاحيات التي منحهما الدستور اليمني والقانون المالي الحالي ولائحته التنفيذية التأثير على عملية تخصيص الموارد العامة ، ومن ثم فإن للأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان ومنظمات المجتمع المدني المختلفة التأثير على كل من مجلس النواب والحكومة لممارسة صلاحياتها واعتماد المخصصات الكافية والممكنة لتحقيق أهداف الألفية . وأضاف على الرغم من الصلاحيات الممنوحة لمجلس النواب والحكومة فإن ما يجري في الواقع هو سيطرة وزارة المالية سيطرة شبه كاملة على مراحل إعداد الموازنة مما ترتب على ذلك عدم الأخذ بعين الاعتبار المتطلبات المالية الضرورية لتحقيق كل أو بعض أهداف الألفية ، مستغرباً في نفس الوقت من عدم إيلاء بقية الشركاء أي اهتمام لهذا الموضوع . و عدَ ثاني الوسائل المتاحة عند تنفيذ الموازنة العامة هو مناقشة الحكومة ومجلس النواب أي انحراف في تنفيذ قوانين الموازنات العامة عندما تعرض عليها وزارة المالية تقاريرها الدورية الملزمة بها وفقاً للقوانين السارية حيث تمكنها على إجبارها على معالجتها إن وجدت . وكذلك فإن مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية تستطيع التأثير على الحكومة والنواب لممارسة صلاحياتها للضغط على وزارة المالية لمعالجة هذه الانحرافات . إلا أن شيئاً من ذلك لم يتحقق وما يحدث في الواقع بحسب رأي العسلي أن وزارة المالية لا تلتزم بمواعيد هذه التقارير وإذا ما أعدتها في أندر الحالات الخاصة فإنها تكون ناقصة أو غير دقيقة ، مشيراً إلى أن هذه التقارير لا تناقش بالجدية المطلوبة لا من قبل الحكومة ولا مجلس النواب ولا الصحافة ولا الرأي العام مما يترتب على ذلك سهولة حدوث مناقله في مخصصات الموازنة واحتجاز بعض المخصصات ذات العلاقة بأهداف الألفية . أما الوسيلة المتاحة الثالثة عند تنفيذ الموازنة العامة هو الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة حيث يخوَله القانون الساري مراجعة عملية تنفيذ الموازنات العامة.. إلا أن ما يحدث أن تقارير هذه الوسيلة لا تشير إلى التزام الحكومة ولا إلى التزامات الجهات المختلفة تجاه أهداف الألفية التي وقَعت عليها الحكومة اليمنية وأصبحت ملزمة بها . كذلك كان لا بد من السعي لإعادة النظر في القوانين واللوائح المنظمة للموازنة العامة لمعالجة القصور الواضح في عمليات كل من إعداد وتنفيذ وتقييم الموازنة .. وهنا يضع وزير المالية السابق الدكتور سيف العسلي أهم القضايا التي يجب التركيز عليها وهي توسيع صلاحيات الجهات الأخرى غير وزارة المالية في عملية إعداد وتنفيذ الموازنات العامة . والنص صراحة على صلاحية ومسئولية الجهات في عملية تنفيذ الموازنة العامة واقتصار دور وزارة المالية على مهمة توفير الموارد الضرورية لتنفيذ الموازنة دون التدخل بأي شكل من الأشكال في عملية التنفيذ . وإلغاء علاقة المالية بمدراء الشئون المالية وإنشاء وحدات مراجعة في الجهات تكون تابعة للمالية مالياً وإدارياً وتقتصر مهمتها على مراجعة العمليات المالية وفقاً لقوانين الموازنة والقوانين المالية الأخرى وإصدار قانون خاص بحصر المخالفات المالية وتشديد العقوبات عليها وتحديد إجراءات التقاضي بما يعطيها أهمية خاصة وعدم الاكتفاء بقانون العقوبات وكذلك تحديد مواعيد دورية للتقارير المالية وشروط كافية لجعلها أكثر شمولية وشفافية وتطوير قنوات لنشرها على الرأي العام وإنشاء منتديات لمناقشتها والتعليق عليها وتكوين رأي عام حولها . لم يكتف الدكتور العسلي بذلك بل دعا إلى وقفة صادقة مع النفس لتحديد الأسباب التي كانت وراء تعثر أهداف الألفية بشكل عام حيث يرى من وجهة نظره أن عدم وضوح الرؤيا لأهداف الألفية المتعلقة بمحاربة الفقر أحد هذه الأسباب حيث تم تجاهل القوانين الاقتصادية الذي يقول الأول عنها أن الإسراف يؤدي إلى الفقر وأن حسن استخدام الموارد النادرة يؤدي إلى ا لغنى ويقول القانون الاقتصادي الثاني أن العمل الجاد يؤدي إلى الغنى وأن الكسل يؤدي إلى الفقر وعلى هذا الأساس يقول العسلي إن أي سياسات ناجحة لمحاربة الفقر وتحقيق القدر المعقول من الغنى لا بد أن تراعي هذين القانونين بشكل صارم . مضيفاً أن محاربة الفقر من خلال تقديم الدعم لغير مستحقيه وبالقدر الضروري فقط سيؤدي إلى تبذير الموارد النادرة وإلى تشجيع الكسل مما يؤدي ذلك إلى توسيع دائرة الفقر وليس إلى تقليصها . مشيراً إلى أن هناك نوايا طيبة سيطرت على الجهات التي أعدت مبادرة الأمم المتحدة المعروفة بأهداف الألفية وعلى الذين ناقشوها واعتمدوها . ويؤكد العسلي أن بعض أهداف المبادرة متناقضة مع بعضها البعض ومع القوانين الاقتصادية .معللا ذلك بأن النجاح في تحقيق هذه الأهداف سيعمل على زيادة الفقر وليس تقليصه لأن تقديم الدعم للأسر الفقيرة بدون حدود سيدفع هؤلاء إلى زيادة تشجيع غيرهم للانضمام إليهم باعتبار أن الإنسان يكره المسئولية والعمل ويحب التواكل والكسل . ومن أساسيات تعثر المبادرة عدم وجود الإرادة بحكم أن المبادرة ألقت المسئولية على الحكومات والأحزاب السياسية والمنظمات المدنية و يمثل هذه الجهات في أغلب دول العالم الأغنياء وليس الفقراء مما ترتب على ذلك أن تحولت المبادرة إلى نوع من المتاجرة بمعاناة الفقراء حيث تهتم بعض الحكومات والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني بالمبادرة بأهدافها فقط بالقدر الذي يفيدها بحيث تستخدمها وسيلة للحصول على المساعدات التي تستخدمها في الغالب في مجالات لا تخدم الفقر إلا بالقدر اليسير جداً وعلى الرغم من ذلك فإرادة هؤلاء الشركاء ضعيفة لعدم توفر الحوافز الكافية لخلق إرادة قوية كما ترتَب على ذلك أن وجَه بعض الشركاء اللَوم لبعضهم البعض في الفشل في تحقيق أي تقدم ملموس في هذا المجال لأن هؤلاء ليسوا هم الفقراء . وللخروج من دائرة اللَوم يرى العسلي أنه لا بد من إعطاء الدور الأساسي في عملية تحقيق هذه الأهداف إلى الفقراء أنفسهم ، معترفا أن ذلك عملية معقدة كونها تتطلب تغيرات سياسية واجتماعية هائلة إلا أنه لا يوجد أي خيار ثالث . وأضاف العسلي أن من أسباب التعثر تقاعس الشركاء في البحث عن الوسائل الأكثر فاعلية ومن وجهة نظره فإن التدخل المباشر من خلال تصميم برامج وسياسات تتعامل مع الفقير على أنه عاجز يستحق المساعدة بواسطة الآخرين سواء كان هؤلاء الآخرون حكومات أو أحزاب سياسية أو منظمات غير حكومية . وعزز موقفه بمثال مفاده: أن الأعراس الجماعية للفقراء لا تعمل على التقليل من الفقر بل على العكس فإنها تعمل على زيادته حيث تعوِد الفقراء على الاعتماد على الغير وتبقى الوسيلة الأكثر فعالية من وجهة نظر العسلي مساعدة الفقراء على مساعدة أنفسهم من خلال تقديم العون غير المادي لمن يرغب في مساعدة نفسه كالقبول بحقهم بالتعبير عن مصالحهم وبحقهم في الاستغناء عن هذه المنظمات وحقهم في إقامة المنظمات والمؤسسات التي تخضع لهم أنفسهم . كما أعتبر العسلي ضعف المتابعة وعدم وجود آليات الاستفادة من القدر المتاح من المتابعة تفسيراً لعدم وجود جهود ومحاولات حثيثة لتحقيق أهداف الألفية وفيما يخص مستقبل مبادرة الأمم المتحدة الممثلة بأهداف الألفية أبدى وزير المالية اليمني السابق تشاؤمه من نجاحها في تحقيق الحد الأدنى من الأهداف ، معزياً ذلك إلى العوامل سالفة الذكر وإلى عوامل جديدة في المستقبل منها عدم القدرة على السيطرة على النمو السكاني خاصة في الدول الفقيرة وارتفاع أسعار المواد الأساسية ومن أهمها أسعار المواد الغذائية حيث يترتب على ذلك زيادة الفقراء . وكذلك عدم رغبة الأغنياء في التقليل من إسرافهم.. وعدم إدراك الفقراء لما يجب عليهم عمله خاصة بعد أن انخدعوا بالوعود الدولية والسياسية لمساعدتهم على الخروج من الفقر حيث ما زالوا يرفعون شعار ( يومك عيدك) غير مدركين أن من يرفع هذا الشعار لاعيد له لا في يومه ولا في غده وما ذلك إلى تبرير لكسلهم وتواكلهم .