الكثير منا تذهب بهم مشاغل الحياة بعيداً عن متابعة المحاضرات الدينية والنصائح الإرشادية طيلة أيام الأسبوع، ويكاد يكون يوم الجمعة هو المحطة الأسبوعية التي ينهل من خلالها الكثير منا المواعظ والدروس الإيمانية من خلال خطبتي الجمعة وانطلاقاً من ذلك فإن المعول على خطباء المساجد الحرص على التعاطي مع هذه المحطة الإيمانية الأسبوعية بمسئولية ومهنية عالية بحيث يتزود من خلالها الناس بما ينفعهم في دنياهم وآخرتهم. إلا أن مايؤسف له أن غالبية الخطباء استحوذ عليهم الكسل واللامبالاة إزاء الرسالة المنوطة بهم فتراهم لايكترثوا بالتحضير الجيد للخطبة والإعداد لها بالشكل المطلوب فإما أن يخطب بعضهم من الكتب الخاصة بالمواعظ بأسلوب تقليدي يجلب على المسنين النوم وإما أن يخطب البعض الآخر عن قضايا سطحية لاتخدم البلاد والعباد، وهنا ما أكثر الخطباء الذين لايتورعون في تسخير المنابر لإصدار الفتاوى التكفيرية في حق المسلمين لمجرد مخالفتهم لهم في بعض المسائل الفرعية الاجتهادية، ويُطلقون العنان لألسنتهم السليطة في السب والشتم والطعن في الأعراض والإساءة لسماحة ديننا الإسلامي الحنيف، وهناك من يجعل من المنبر منطلقاً لنشر سموم الفرقة المذهبية والطائفية من خلال إثارة المسائل الخلافية بين المذاهب الإسلامية وتحميلها أكثر مما تحتمل بهدف شق وحدة الصف وخلق ثغرات عديدة لأعداء الإسلام للنيل من المسلمين والفتك بهم، وهناك من يوظف المسجد لخدمة حزبية وسياسية على حساب الرسالة الأسمى للمسجد التي أرساها الرسول(عليه الصلاة والسلام) وهنا أستغرب تجاهل الكثير من خطباء المساجد في بلادنا للكثير من القضايا والظواهر التي يعاني منها المجتمع اليمني والتي تحتاج إلى توعية وإرشاد للناس وهي قضايا وظواهر أعتقد جازماً أنها ينبغي أن تتصدر اهتمامات خطباء المساجد لنشدان الخير والصلاح للجميع. فلا أعلم لماذا يتجاهل بعض الخطباء الجرائم الوحشية واللاإنسانية التي تقوم بها بعض العناصر الارتدادية والإجرامية في عدد من مديريات الضالع ولحج، فلا يُعقل أن يتم الاعتداء على الأطفال والتمثيل بهم وممارسة أبشع أشكال الإجرام في حق المواطنين الآمنين والمسافرين من منظور مناطقي مقيت في سياق سلسلة الأعمال والسلوكيات غير السوية التي ترتكبها بعض العناصر الانفصالية سعياً منها للإضرار بالوحدة الوطنية والعودة بالبلاد إلى ماضي التشطير البغيض، ولايُعقل أن تمر هذه الجرائم على خطباء المساجد مرور الكرام، فلابد أن يتم التطرق إليها وكشف النوايا الخبيثة التي يضمرها هؤلاء ويظهرونها لإلحاق بالغ الضرر بوطننا الحبيب ووحدتنا المباركة، لأن ذلك منكر عظيم ومن أولويات خطيب الجمعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الوحدة ملك لكل اليمنيين ولايحق لجنس بشر أن يدعي الوصاية عليها ومن أشد المنكرات أن يتعمد بعض الخطباء إغفال التطرق لهذه الأعمال الإجرامية التي لايرضاها دين ولاملة من باب المكايدات السياسية والحزبية وصراع المصالح الشخصية الضيقة. إن المعتدى عليهم في الحبيلين وردفان والضالع وغيرها من المناطق مسلمون يشهدون بوحدانية الله ويؤمنون برسالة نبيه الصادق الأمين عليه أفضل الصلاة والتسليم، وهم أبناء يمن الإيمان والحكمة وعدم الانتصار لهم يدفع هؤلاء السفاحين إلى التمادي في غيهم وقد يكون هؤلاء الخطباء وذويهم هم الضحية القادمة ولايجوز أن يتقاعس خطباء المساجد عن أداء الأمانة الموكلة إليهم. إذاً عليهم الوقوف في وجه دعاة الانفصال والتشظي والتشرذم وعليهم الوقوف في وجه القتلة وقطاع الطرق الذين يقطعون الطرقات ويرعبون المسافرين ويقلقون الأمن والسكينة العامة ويعبثون بمنجزات الوطن وممتلكات المواطنين ويقتلون النفس التي حرم الله، ويمثلون باخوان لهم في الدين والدم، وعليهم الوقوف في وجه الظلم والانتصار للحق والعدل وتوجيه النصح والإرشاد للمعتدين بالعدول عن ذلك وإعادة الحقوق لأصحابها دون مماطلة أو تسويف، وعليهم الوقوف في وجه الفساد والمفسدين وتبني طريقاً سليماً يقود البلاد إلى النهوض الشامل والتنمية المنشودة وعليهم أيضاً جعل خطبتي الجمعة متنفساً يأوي إليه الجميع للاستفادة والخروج منه بفوائد تعود عليهم بالخير والنفع، وعليهم أن يكونوا دعاة إصلاح وإيمان وإرشاد ومحبة وتآلف وتماسك وتوحد واعتصام، نريدهم أن يدعوا الجميع إلى التمسك بالوحدة باعتبارها خياراً لاتراجع عنه، ولانريدهم أن يشرعنوا أو يسوغوا لأصحاب المشاريع الصغيرة الانفصالية، وعليهم أن يوظفوا خطبة الجمعة للتحذير من الظواهر السلبية والسلوكيات السيئة التي يعج بها المجتمع، فعلى سبيل المثال أتطلع أن استمع لخطيب يتناول ظاهرة الثأر ويعرضها بشكل جيد مبيناً مخاطرها وآثارها وتداعياتها وموقف الدين منها، وآخر يخطب عن مخاطر المغالاة في المهور والتباهي في حفلات الأعراس وطغيان عادات دخيلة على مجتمعنا في هذه المناسبات الفرائحية بما في ذلك الولائم الباذخة وإطلاق النار واستخدام مكبرات الصوت بشكل مزعج للآخرين وشراء المجوهرات والملابس الباهظة الثمن والتي ترهق العريس وأسرته وتسلب منهم مشاعر الفرح النابعة من القلب وتستبدلها بمشاعر سطحية من باب المجاملة. وأتطلع أن أسمع خطيباً يتناول مخاطر استخدام المبيدات الكيماوية في رش المزروعات والتحذير من مغبة استفحال زراعة القات والتحذير من الاستنزاف الجائر للمياه الجوفية الحاصل اليوم بشتى الطرق والوسائل، وأتطلع أن تحظى قضايا التربية الأسرية للأولاد والتعليم ومماطلة المحاكم في الفصل في القضايا المنظورة أمامها والاعتداء على أراضي الدولة والأوقاف والمعاناة التي يعاني منها السواد الأعظم من المواطنين جراء استمرار موجة الغلاء وانعدام الرقابة على التجار والمحتكرين، والتحذير من الرواج الحاصل للأفكار الهدامة والسلوكيات المنحرفة والأعمال غير السوية وغيرها من القضايا. وأتطلع إلى أن تتصدر قضايا المجتمع والبيئة المجتمعية أولويات خطباء المساجد بحيث تتسم خطبهم بالواقعية بعيداً عن محاكاة الماضي لإثارة الخلافات والنعرات وخلق المزيد من المشاكل والزوبعات، دونما إغفال للجوانب الإيمانية، فكم هو جميل أن تثمر رسالة المسجد الثمار الحسنة التي تنفع المتلقين لها في دينهم ودنياهم على حدٍ سواء، وكم هو جميل أن نشاهد على أرض الواقع التغيير المنشود للخطاب الديني القائم اليوم لمافيه الخير والنفع والصلاح للبلاد والعباد، فقد سئمنا ومللنا كثيراً من الأداء الباهت والتقليدي الجامد للكثير من الخطباء الذين لايجيدون سوى إثارة الفتن وشق وحدة الصف واللهث وراء مصالحهم وأهدافهم السياسية والحزبية والشخصية. وقد آن الأوان لإعادة « فرمتتهم وبرمجتهم» على الأساليب الجديدة والعصرية للخطابة والوعظ والإرشاد القائمة على التيسير لا التعسير والبناء والإعمار لا الهدم والتخريب، والوحدة والتماسك لا الفرقة والشتات، والإصلاح وليس الإفساد، والواقعية لا الخيال والعواطف، آن الأوان أن يمنح الخطباء حقهم من الدعم والرعاية التي تكفل لهم حياة مستقرة على اعتبار أن الاستقرار المعيشي سيولد في نفوسهم الرغبة للإبداع والتميز في أداء الرسالة المنوطة بهم ولامانع هنا في استبدال من أكل عليه الدهر وشرب من الخطباء من أجل تفعيل الخطاب الديني ومن ثم ترشيده وتوظيفه التوظيف الأنسب اقتداء بسيرة الرسول(عليه الصلاة والسلام) وأصحابه الأخيار وآل بيته الأطهار والتابعين الأبرار.