العام الماضي ولأول مرة في حياتي أجدني أقترب من الحمام وهي لا تهرب مني وتستمر في التقاط قوتها من الحبوب وما جاد به هواة الحمام والرفقاء بها، كان ذلك أمام الفندق الذي كنت أقطنه في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدةالأمريكية خلال مشاركتي في برنامج الزائر الدولي للصحافيين. لايزال ذلك المشهد يمثل أمامي قضية وظاهرة لكونه عبّر عن علاقة الود والاحترام المتبادل بين الإنسان والطيور والحيوانات الأخرى في ذلك البلد؛ ذلك الحمام ما كان له أن يقعد مستريح البال مطمئناً لو أنه وجد من قبل معاملة سيئة ومطاردة ومضايقة كما يحصل في بلدنا. ذلك الموقف يحكي قصة الإنسان الحقيقي في تعامله مع باقي مخلوقات الله وفي تجسيده مفهوم أن الله فضّله عليها بالعقل وبالحكمة، وعندما يمارس العنف ضد هذه الكائنات بوحشية فماذا أبقى للوحوش والكائنات المفترسة والعدوانية وحتى البهيمية؟!. وحقيقة أن هذه الطيور والحيوانات والزواحف لا تكون عدوانية إلا عندما نكون نحن عدوانيين، كانت تجسّدها والدتي - رحمة الله عليها - والتي كانت ترفع شعار التعايش السلمي مع الحيوانات والطيور والزواحف وتطبقه عملياً؛ وخصوصاً مع "الثعابين" التي تجد حرباً شرسة في مختلف البيوت إلا في بيتنا، حيث تكتفي أمي بمخاطبتها بعبارة "محجور بجاه النبي" فتذهب الثعابين في حال سبيلها!!. الآخرون ممن يمرون بجوار بيتنا وخصوصاً في الليل يحدثوننا عن ثعابين مهولة وضخمة؛ لكننا لم نذق عضة واحدة منها طوال مكوثنا في ذلك البيت في القرية، والفضل في ذلك بعد الله يعود إلى أن أمي كانت تمثل مفهوم الإنسان بأرقى صوره. كانت تنهانا عن الضرب المبرح للأبقار أو الماعز، وحتى في العيد الكبير أو أي مناسبة شبيهة، كانت ترفض وبشدة أن يتم ذبح الأضحية على مقربة من أقرانها حفاظاً على مشاعرها وحتى لا تسمع عذابات الشاة ولا تشاهد منظر الدم الفظيع كما يفعل الإنسان بأخيه الإنسان دون مبالاة. وكمثال واحد هنا, تتمتع الحيوانات في استراليا بالحماية ضد القسوة والإهمال، وقد يتعرض الأشخاص الذين يسيئون معاملة الحيوانات والطيور إلى الغرامة أو السجن. وإذا كان لديك حيوان أليف، فأنت تتحمل مسؤولية رعايته بشكل ملائم، وهذا يشمل إطعامه والحفاظ على نظافته، وتحتاج العديد من الحيوانات الأليفة إلى التطعيم المنتظم والعلاج من قبل طبيب بيطري عندما تمرض أو تتعرض للإصابة. ويجوز في مدينة ستراثفيلد الاسترالية أن يحتفظ السكان بالحيوانات والطيور كحيوانات أليفة بشرط ألا تتسبب في الإزعاج أو تشكل خطراً على الصحة أو السلامة، ورغم ذلك، قد يلزم الحصول على موافقة لأنواع معينة من الحيوانات، كما أن هناك قيوداً؛ بما في ذلك القيود المفروضة على العدد الذي يمكن امتلاكه. ولأن لنا في رسول الله صلّى الله عليه وسلم أسوة حسنة فقد كان رحيماً بكل المخلوقات وليس الإنسان فقط، لم يعرف عنه أنه كان يؤذي دابته بأن يضربها أو أن يجوعها أو يحمل عليها ما لا تطيق من الأثقال، بل إنه نهانا عن ذلك كله صلّى الله عليه وسلم، بل أخبرنا صلّى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى يحاسبنا على معاملتنا للحيوانات كما يحاسبنا على معاملتنا للإنسان. وقد أخبرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم حيث قال: «بينما كلب يطوف بركيه (بئر) قد كاد يقتله العطش؛ إذ رأته بغي من بغايا بني اسرائيل فنزعت موقها (خفها) فاستقت به فسقته إياه فغفر لها به» فقد شكر الله سبحانه وتعالى لهذه البغي صنيعها مما يبين عظم عمل الرحمة بالحيوان عند الله تبارك وتعالى. وعلى العكس فيعاقب الله سبحانه وتعالى الإنسان لتعذيبه الحيوان، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «عذّبت امرأة في هرة؛ سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض». [email protected]