كثير من التقليعات الحديثة التي صدرها لنا الإعلام ليست من الدين في شيء؛ إذا تحدثنا عنها من جانبٍ ديني بحت، غير أنها أيضاً ضارة بالصحة؛ إذا أردنا التوسع في الحديث, ومحاولة فرض الشمولية المطلقة على كل مايرد إلينا من خارج حدود مجتمعاتنا المسلمة. غير أن هناك الكثير مما يرد إلينا هو تصدير لثقافتنا التي تجاهلنا روعتها, ولم يلفت نظرنا بريقها الساطع؛ لأننا فقط اعتدنا على أن تشرق شموس أعيننا عليها كل يوم. من هذه الأشياء هوس الرشاقة الذي أصبح يسيطر على شبابنا وشاباتنا على حدٍ سواء, فرشاقة الفتاة أصبحت شرطاً قوياً من شروط إمكانية الارتباط بها بعد الشرط التقليدي الخامل الذي يتعمد الشباب وضعه على رأس قائمة المواصفات الخاصة بشريكة الحياة_ التي يعلم الله هل ستستمر أم لا_ “بيضاء، رشيقة..” وما إلى ذلك من مواصفات “المانيكان الشرقي” الذي يتمناه الرجال وربما النساء بعد أن تعرضن إلى جاذبية الأفعى المخبوءة تحت لسان المسلسلات المكسيكية، فألوان الرجال والنساء عندنا نادراً ما تكون مشربة بالحمرة, وقلما تجد أعين القطط اللامعة في رجالنا ونسائنا في اليمن وليس هذا إنقاصاً من قيمة البشر _لاسمح الله_ ولكن ربما تحمل كتاباتي الكثير من الواقعية المطلوبة في زمن مصبوغ بالتشويه وموسوم بالتشويش على كافة المستويات.. وبالعودة إلى موضوعنا الأصلي حول الرشاقة فإن فكرة التخسيس والوصول إلى الوزن المثالي ليست تقليعة غربية. بل هي إرث ثقافي ديني عربي إسلامي محض مليون بالمائة, والدليل تلك الأحاديث النبوية الشريفة التي توصينا بالاعتدال في تناول الطعام والشراب وحتى في النوم والعمل. أضف إلى ذلك أحاديث نبوية تشير إلى أهمية الرياضة منذ الصغر وأقربها للقلب والإتباع حديث سباقه صلى الله عليه وسلم مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها, أو حمله إياها بسهولة إلى هودجها على ظهر البعير, مما يعني أنها كانت خفيفة الوزن ولا عجب إذاً أن تشعر ضرائرها رضي الله عنهن بالغيرة منها كون الرشاقة وخفة الوزن حلماً يداعب أنوف الرجال وقلوب النساء باستمرار, وبالرغم من أن الكثيرين إلى الآن لايعلمون تحديداً أسرار خفة الوزن في استقرار العلاقة الزوجية, وهي أمور لايتسنى لنا الكلام عنها هنا, إلا إنني أؤكد أن الجميع يتمنى أن يعود رشيقاً كما كان قبل أن يكون أباً ب”كرشه” أو أماً ب”أرداف” بارزة, وبالتأمل في نوع الغذاء القرآني والذي أكده أيضاً الهدي النبوي نجد أن فاكهة القرآن, وهي مايفضله الكثير من خبراء الريجيم اليوم هي الحل لكثير من مشاكل الوزن الزائد, والمتأمل في أطعمة وأشربة القرآن يجدها عبارة عن فواكه وألبان ولحوم, وهي أيضاً بأشكال وألوان مختلفة في الجنة لمن كان من أصحابها، إضافة إلى الماء ومشروب الزنجبيل والعسل, وهما شيئان هامان للصحة لايمكن أن يختلف فيهما اثنان من أرباب الفهم والعلم. إذاً فالرشاقة صفة عربية إسلامية خالصة, وليست تقليداً للغرب أبداً, لكن ماجعلها تبدو واضحة بلباسها الغربي هو إعلام فاسد, يحاول إخفاء مميزات العرب والمسلمين وإظهار إنجازات الغرب, واتخاذ تلك الحضارة قدوة لجيل عريض من الشباب والشابات, ينظرون إلى أصحاب الخشب المسندة الذين ذكرهم الله في سورة “المنافقون” أنهم هم أصحاب المبدأ الصحيح والمنهج القويم, وهذا تحديداً هو ما أدى إلى اندثار روح الاعتزاز بهذا الدين إلا في معناه العام طبعاً. إن لون البشرة الرملي أو الحنطي الذي نتميز به كسكان للجزيرة العربية, واعتزازنا بنوع الطعام القرآني والنبوي سالف الذكر, واعتمادنا عليه كأسلوب تغذية مثالي منزوع الدسم تماماً, وأخذ باقي الطيبات بالاعتدال وإثراء حياتنا بالسعي والحركة وأنواع الرياضات المختلفة في نظري يعد أسلوباً معيشياً مميزاً كفيل بأن يعيد الكروش المتدلية إلى الخلف وإقصاء الأرداف النافرة إلى أدناها دون عناءٍ يذكر. فلماذا إذاً نستورد أفكاراً غربية محاطة بموادٍ حافظة سامة ضمن محيط صفيحي ينضح بالصدأ!، الرشاقة مطلب صحي يهمنا جميعاً, ويجهل الأغلبية من الناس ما للرشاقة وخفة الوزن وتناسق الجسم بالنسبة للجنسين من إضفاء الشعور بالسعادة والرضا عن النفس والتجديد المستمر في نوعية الملبس اللائق لكلٍ منهما.. إذاً فلدينا ريجيم إسلامي متكامل صحي متوازن بعيد عن الإفراط والتفريط, وفيه راحة للعين والذوق وحواس الجسم الأخرى؛ إذ في نظري لاشيء ألذ من طعم العنب أو الرمان أو الموز مع كأس من ماء التمر أو ماء العسل المبرد, إنه الطعام الملكي الذي يلقى على موائد الملوك كزينة وتسلية وألوان متنوعة مريحة للنظر, ولكم أن تتخيلوا هذه الحياة بدون فواكه.. حياة بلا ألوان ولا مذاقات ولا نكهات.. إنها تماماً مثل الحب؛ فالحب في نظري هو فاكهة الحياة ولا أعتقد أنها تصبح لذيذة ومميزة بدونه. أنا مع تلك المراكز التي انتشرت في الآونة الأخيرة لتعلم المرأة كيفية أداء التمارين المناسبة لوزنها وطولها ونوع الريجيم الذي لايفقدها معالم جسمها, التي يجب أن تبقى نافرة لإرضاء شعورها بالأنوثة، وعلى الرجال أن يقتنعوا تماماً بفكرة التغيير لدى زوجاتهم؛ لأنهم سيفوزون برهان قوي لايستطيعون استشفافه اليوم! تذكروا دائماً أن خلف هذه الأوزان الزائدة هموم زائدة, وأن تناول الطعام بالطريقة التي نفعلها هو هروب من تلك الهموم لا أكثر ولا أقل. وأحب أن أبشر قرائي بأنه في حالة زوال الأوزان الزائدة, فإن كثيراً من الهموم والعادات والمشاعر السلبية تزول تماماً, وهذا شيء جربته بنفسي قبل اليوم، إذاً فهوس الرشاقة هو شعور برغبة التغيير لكن بقالب غربي جديد بينما الرشاقة مطلب ديني؛ لأنها تساعد الإنسان على تقبل نفسه كما هو بدون تعديل, وأيضاً تحثه على أداء العبادة بدون تعب, وأتذكر امرأة بدينة جداً قابلتها قبل فترة غير بعيدة, وكان حديثنا عن الرشاقة, وأنها في نظر الرجال نصف الجمال, فقالت بمنتهى الحنق الضاحك: إذا كانت الرشاقة نصف الجمال, فالبدانة هي الجمال بأكمله! وعموماً يبقى جمال قلوبنا عنواناً محفوراً على جباهنا, ومهما كانت أجسادنا جميلة إلا أن للأرواح جمالاً آخر لايعلمه إلا من جربه.