باللغة الألمانية تصدر كتب بعنوان الكرونيك ويقصد بها الاستعراض التاريخي لشيء ما. منها ما كان في تاريخ الأرض منذ أن خلق الله الكرة الأرضية قبل 4.6 مليار سنة. ومنها ما كان في تاريخ الجنس البشري منذ أن ظهر الإنسان العاقل قبل حوالي سبعة ملايين من السنين ولم يكن شيئاً مذكورا. ومنها ما كان في موضوع المرأة فلا يتركون شخصية نسائية في تاريخ الجنس البشري منذ حتشبسوت الفرعونية وكليوباترة الإغريقية وجان دارك الفرنسية وانتهاء بتاتشر وانديرا غاندي إلا وجاء شرح عن حياتهن وسر تفوقهن. وهناك كتاب عن تاريخ الطب منذ طب حضارة المايا والإنكا ومروراً بالطب الصيني وانتهاء بأهم إنجازات الطب الحديث من زرع الأعضاء الصناعية والاستنساخ وجراحة الجينات. واهم ما في السلسلة أنها تؤرخ لبداية الأشياء وتطورها فيصاب الإٌنسان بالذهول والصدمة أمام بعض القصص. ولا تظهر أهمية التاريخ مثل فهم كيف بدأت الأمور. وهو مبدأ قرآني حين لفت نظرنا إلى السير في الأرض لننظر كيف بدأ الخلق ثم الله ينشىء النشأة الآخرة. ومن هذه القصص محاولة زرع الحديد في الجسم لمعالجة الكسور التي اتهم صاحبها الدكتور (كتشنر) بأنه جرّ كارثة على الجنس البشري. وكانت تهمة وجهها له زميله جراح العظام النمساوي بولر الذي كان حجة في معالجة الكسور. ومعظم المشاكل تأتي من زملاء المهنة الواحدة حسداً من عند أنفسهم. وكما يقول ماكس بلانك: أن أفكاره الثورية في ميكانيكا الكم لم يتم الاعتراف بها حتى مات الجيل القديم. مع أن ميكانيكا الكم من أحدث الفروع الفيزيائية في العلم وأحفلها بالغموض والإثارة. واليوم لا يوجد طبيب عظام في العالم لا يستخدم الحديد في الكسور. ومن لا يمارسها يعتبر شاذا وغير متصل بالعلم. ويتبارى جراحو الأورثوبيديا إذا ضمتهم المؤتمرات في استعراض الحالات التي وضعوا فيها سفوداً غليظاً في عظم فخذ مكسور. كذلك الطريقة الثورية التي ابتكرها الجراح الروسي (اليزاروف) بمط العظام وتطويل الأقزام ومعالجة كسور لا برء فيها والتهابات معندة قطع الأطباء الأمل من شفائها. وأصل هذا الطبيب من سيبريا وهناك في البرد انقدحت فكرة بسيطة في ذهنه أعطته إمكانية تطوير هذه الطريقة الثورية وأصلها من ذنب السحلية (أبو بريص) عندما يتخلص منه ثم ينمو له عوضاً عنه. ومنه انتبه اليزاروف إلى إمكانية النمو في العظام فعالجها بكسرها وهي عكس ما اعتاده البشر. وعند نقطة الكسر سر هائل من آلية النمو فإذا أمكن تبعيد نقطتي الكسر تدريجياً بمعدل ملمتر واحد اندمل مع التطويل. وهذه السلسلة من الكرونيك تنوعت إلى حد كبير فغطت فروعاً إنسانية كثيرة وصدرت منها سلسلة ولها شبيه باللغة الإنجليزية. وما جمعته في مكتبتي يغطي مساحة مذهلة. ومن الأشياء المثيرة مجلد كامل عن القرن العشرين أو التاسع عشر. ولا يوجد بكل أسف حسب علمي ما يغطي القرن الثامن عشر أو قبله وهي قرون الأنوار والحداثة. ربما بسبب قلة البيانات والصور فالتصوير حديث ويجب أن نشكر الفراعنة الذين خلدوا الكثير بصور ونقوش على الحيطان وليس مثل ما حدث عندنا حينما قتل الفن وحرم التصوير بدون دليل. وهناك جزء عن تاريخ المسيحية منذ أن بعث عيسى بن مريم ومروراً بتاريخ الكاثوليك وحركة الإصلاح الديني. وأهم ما في هذا السرد التاريخي توخي الموضوعية والحياد ونقل المعلومات بأمانة ولو على أنفسهم وهي روح العلم الجديدة. وتمنيت أن نسعى نحن من طرفنا إلى ترجمة هذه الأعمال إلى موسوعات باللغة العربية. كما تمنيت أن يضم إلى هذه السلسلة من الأعمال كتاب بعنوان كرونيك الإسلام بحيث يذكر وبالتاريخ والبيانات والصور كل ما يتعلق بمسيرة المسلمين في التاريخ. ولكن بيننا وبين ذلك حواجز من التحفظ والتعصب والجهل. وعندما جاءني المجلد الطبي منه كانت قد مزقت منه صفحات ومشكلة الصفحة أنها قطع لسنة من تاريخ الطب وما أنجز فيها. ولعل الرقيب الفهيم رأى ساق امرأ ة مريضة تعالج فتقرب بتقوى باردة إلى الله بقطع الصفحة والاعتداء على خصوصيتي بإعلان الوصاية عليها. وهذه قضية ليس فيها قانون واضح يحاسبه المرء عليه بل تعود لمزاج الموظف. والهم فهم يبنون ونحن نخرب وهم ينجزون ونحن ندمر. وفي الوقت الذي يرسل الأوربيون مركبة بيجل اثنين إلى المريخ لمعرفة وجود الحياة على ظهره. نمزق صفحات من كتب علمية بدعوى التقوى. وهي مأساة لا حل لها إلا بالتخلص من هذا الفكر المريض كما نعالج مريض التيفوئيد بالكلورامفنكول.