عندما نجحت الدكتورة وفاء في عمليتها الجراحية بزرع أول رحم هتف الكثيرون لها ولم أشأ يومها أن انضم لمن شجع وصفق فهي أكبر من ذلك وليس من عادتي المدح ولكنني في كلمتي الحالية أريد أن أكون معها في تحديها الجديد فأنصرها كما فعل الراهب بحيرا مع الرسول (ص) مع فارق التشبيه عندما أخبره أن ماينتظره أياماً غير سارة: ولتكذبنَّه ولتعذبنَّه ولتخرجنَّه فتعجب الرسول (ص) وهل يعقل أن يفعل قومه معه هذا وهو لم يأتهم إلا بالخير العميم. قال له يا محمد ما جاء أحد بما جئت إلا عذب. وشاهدي من القصة أن كل مبدع ينفجر في الأول وكأنه الشعرى اليمانية أو السوبرنوفا فيبهر بشعاعه الأفق وبعدها يبدأ الحسد والكيد والحفر ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. ثم يدخل صاحب الإبداع نار المحنة فيخرج مثل الذهب النقي سنة الله في خلقه. وينقل لنا التاريخ وقائع طبية عجيبة فعندما تقدم جراح العظام (كتشنر) عام 1940 م في مؤتمر الجراحين بمدينة كولن الألمانية بتقنية وضع صفائح الحديد لكسور العظام قالوا إن هذا لشيء عجاب ماسمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق. وذهب جراح عظام نمساوي مرموق جداً إلى اعتبار أن مافعله تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً وأنه يجب كف يده عن جريمة عظمى والذي ثبت أن ماينفع الناس يمكث في الأرض وأن الزبد يذهب جفاء كذلك يضرب الله الأمثال. واليوم يستخدم جراحو العظام الصفائح والمسامير والمفاصل المعدنية كعمل روتيني. والدكتور (كورت سيم) من مدينة كيل في شمال ألمانيا وراسلته أنا شخصياً والذي كان من أوائل المدشنين لجراحة المناظير الحالية التي يجريها كل جراح في العالم حورب وعذب وضحك عليه الجراحون وقالوا إن هذا طبيب نسائية فلولا اكتشف هذا الفن رجل من الجراحين عظيم. أهم يقسمون رحمة ربك؟ وخرج إلى أمريكا فتبنته ونشرت طريقته فرجع إلى ألمانيا مراغماً لقومه. وجراح العظام (اليزاروف) الروسي خرج بطريقة جديدة في معالجة العظام ليس بتجبيره بل بكسره ففتح القوم أفواههم وقالوا هذا ساحر كذاب . والذي دفعه إلى هذه الفكرة ذنب السحلية التي ترمي بذنبها عند الخطر للنمل ثم ينبت لها واحد آخر لاحقاً فقال إن في الجسم آليات للنمو فلماذا لانكسر العظم عند الأقزام ثم نمط العظم بواسطة ميكانيكية معتمدين على نمو الأنسجة المتتابع ولكنه حورب في الاتحاد السوفيتي لأن العقيدة الشيوعية لا تسمح بذلك ولابد أن يكون رفيقاً حزبياً منظماً يناضل مع الطبقة البروليتارية. والإبداع لا يعرف كل هذا. ثم انتقل فنه إلى أوربا فتبنته وانتشر اسمه في العالمين وجاء قبل عدة سنوات الى المشفى التخصصي في القصيم واجتمع عليه الناس من كل المملكة. وأما (باستور) الذي أرسى فن التعقيم فقد كان أشد خصومه الأطباء لأنه لم يكن طبيبا ولكن ماقدمه إلى الطب أفضل مما فعله عشرة آلاف طبيب. واليوم تكرر القصة نفسها مع الدكتورة فقيه ولكن صبرا فإن العاقبة للمتقين فلست بدعاً عما عرف عن المبدعين فضلاً أن يكون المبدع امرأة.