ما زلت أذكر فيلم (زاوربروخ Sauerbruch) في رحلة اختصاصي في ألمانيا، أذكر فيلمه جيدا وكذلك الجراح الفرنسي (ليريش) صاحب المرض الشهير في انسداد الأوعية الدموية في أبهر البطن، ولا أنسى اسم القديس الثنائي (دوس سانتوس) الذي كان الأول في تصوير الشرايين الظليل فبدأنا نرى العروق الدموية المتراقصة في البطن من الأعماق. وكذلك (كريستيان برنارد) أول من تجرأ في نقل قلب من صدر لصدر، أضيف إليهم (الكسيس كاريل) الذي فتح الطريق لجراحة الأوعية الدموية وكانت معضلة، و(بابانيكولاوس) الذي كان الأول في الانتباه إلى السرطان المبكر من خلال لطخة بسيطة من عنق الرحم عند النساء. كذلك الدكتور (فيرنر فروسمان) الذي كان أول من أدخل قثطرة إلى القلب ونال عليها جائزة نوبل على نحو مفاجئ، وجرب ذلك على نفسه قبل أن يجربه على غيره، وكذلك هو خلق العلماء المتبتلين، والآن قثاطر القلب في كل مشفى مهم في العالم، لاننسى أيضا الثنائي في جراحة العظام (كيتشنر) الألماني و(إليزاروف) الروسي. الأول أدخل الحديد «فيه بأس» شديد في معالجة كسور العظام، وكان هذا فوق الخيال كيف ندخل أسياخ الحديد إلى أنسجة العظام، إن هذا لشيء عجاب؟ واليوم ليس من مشفى في العالم إلا وفيه الحديد والصفائح والبراغي والأسياخ تعالج بها الكسور بكل مهارة ومتانة ولا التهاب بل تجبير والتئام. إن الأفكار تأخذ صحتها من الواقع والتجربة أليس كذلك؟ وليس من عائق في وجه التقدم إلا المسلمات التي هي أقرب للخرافات وتصورات بني آدم العرجاء العوجاء. والثاني جراح العظام الروسي (إليزاروف) من سيبريا فقد كسر مسَلَّمة أساسية في ترميم كسور العظام بمعالجة علله ليس بالتجبير بل بالكسر فقفز إلى معالجة الكسور المتعفنة التي لاتلتئم فنجح، وكذلك مط القزام إلى شاهق وعلو. نضيف لهؤلاء (سيم كورت) وكان بيننا مراسلات فهو من عبَّد الطريق إلى جراحة المناظير، كل هذا الرهط ممن فتح الطريق إلى علم جديد لم يصدقهم الناس وقالوا إنهم أتوا بالشيء الغريب غير المقبول، كل هذا بسبب استحكام عقدة «إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون».