تدهشنا مأرب في كل مرة وتفاجئنا في كل موقف بأفعالها ، فحين ردد بعض المتربصين اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان لم تدخل في سجالات، بل فتحت سجونها أمام المنظمات وقدّمت لهم درساً عملياً في كيف تكون الدولة وكيف تُحافظ على حقوق مواطنيها كافة، حتى أولئك المحجوزين خلف القضبان ، مبرهنة أن احترام الإنسان وحمايته جزء لا يتجزأ من قوة الدولة وشرعيتها.. ومرة أخرى أثبتت مأرب حرصها على أمن مواطنيها ورجالها، عندما أفشلت محاولات الاغتيال وكشفت مخططات العدو والمتسللين بأردية النساء والخلايا النائمة.. واليمن عموما ومأرب على وجه الخصوص خير شاهد على صون الهوية الثقافية أمام الصعاب والتحديات جذورها ضاربة في أعماق التاريخ منذ زمن ملكة سبأ -بلقيس -حيث ازدهرت كعاصمة للحكمة والتجارة والريادة ، وكان لها من كل شيء يؤتى للملوك من العتاد والآلة "وأُتيت من كل شيء"، ولها عرش عظيم"، وهي ذات المملكة " نحن أولو قوة وأولو بأس شديد" . وكما جسدت بلقيس القوة والحكمة والقيادة في زمنها، فإن مأرب اليوم تحمل نفس الروح مستمدة عزيمتها وهويتها من إرث سبأ، لتواجه التحديات المعاصرة بالصلابة نفسها والحكمة ذاتها. إنها مأرب وصاحبة الحكمة اليمانية التي ورثتها من تاريخها وحضارتها من دولة سبأ ومن سدها وأسواقها القديمة. اليوم مارب تلقن الاعداء دروساّ عملية في التضحية من أجل الدولة وفي كيفية بنائها وصون حضارتها ،وكما علمتنا ملكة سبأ - بلقيس- أن حكم الدولة يكون بالعقل والحكمة ، تعلمنا مأرب اليوم أن الدولة تُبنى بالفعل قبل القول وبالتضحية قبل المغانم. وهكذا كما شقّت مأرب قديماً الصحراء بسدها العظيم فحولت الجفاف إلى خضرة والقحط الى حضارة نابضة بالحياة ، تشق اليوم طريقها في قلب العواصف لتروي عطش اليمن إلى الدولة والنظام من معبد الشمس وحجارة السد وأسواق القوافل إلى مكاتب الدولة ومعارك الكرامة. تكتب مأرب على صفحات الزمن أن الحضارة لا تموت ، وأن الدولة يجب أن تبنى وتنهض وأن الجمهورية يجب أن تكون ما دام هناك رجال ونساء يؤمنون بها ويدافعون عنها ويثقون برجالها، وأن من كان ماضيه سبأ فحاضره لا يمكن أن يكون إلا على قدر ذلك المجد في العظمة والبناء والقوة.