في لحظات التحول التاريخي الكبرى، تصبح الحقائق ساطعة كشمس النهار، لا يحجبها تضليل الإعلام ولا غبار المناكفات السياسية. وأمام المشهد اليمني الراهن، يبرز تساؤلٌ وجودي يفرض نفسه على كل ذي لب: مَن الذي يمثل الضمانة الحقيقية لكينونة اليمن وهويته؟ ومَن الذي يجر البلاد نحو منزلقات التجزئة والضياع؟ صراع الهوية: بين صون العلم وتمزيق الرمزية إن القراءة المنصفة للواقع تضعنا أمام مسارين متناقضين لا يلتقيان؛ مسار "أنصار الله" الذين جعلوا من اسم اليمن رقماً صعباً في المعادلة العالمية، فارضين احترام السيادة والعلم في كل ميدان، وأجبروا القوى العظمى على التعامل مع اليمن كدولة ذات قرار مستقل. وفي المقابل، نجد مسار "الانتقالي" الذي لم يكتفِ بالتنصل من الهوية الجامعة، بل ذهب بعيداً في استهداف الرمزية الوطنية والاعتداء على علم البلاد، محاولاً سلخ جزء أصيل من جسد الوطن لصالح أجندات مشبوهة. النسيج الاجتماعي: نموذج التعايش مقابل سكاكين المناطقية وعلى صعيد النسيج الاجتماعي، تتجلى المفارقة في أبهى صورها؛ فبينما تفتح صنعاء والمناطق التابعة لها ذراعيها لكل أبناء الوطن من المهرة إلى صعدة دون تمييز أو إقصاء، مجسدةً نموذجاً للتعايش الوطني، نجد في المقلب الآخر تكريساً للمناطقية المقيتة، وإفراغاً ممنهجاً لمؤسسات الدولة من كوادرها على أساس الهوية الجغرافية، ممارسين القتل بالبطاقة والفرز المناطقي، مما يهدد السلم الاجتماعي ويضرب وحدة الصف في مقتل. ميزان السياسة: حوار وطني أم ارتهان للخارج؟ وفي ميزان الحكمة السياسية، يبرز فارقٌ جوهري بين دعوات صنعاء المستمرة للحوار الوطني الشامل بعيداً عن الوصاية الخارجية، وبين ارتهانٍ كامل لإرادة القوى الساعية لتمزيق الجسد اليمني. إنها المقارنة بين من يتعهد بتطهير الأرض من دنس الاحتلال والحفاظ على وحدة التراب، ومن يمهد الطريق لتثبيت أركان القوى الخارجية تحت مسميات واهية، مغلقاً أبواب الحوار حتى مع شركائه. الاختبار الأخلاقي: فلسطين كاشفة العورات أما الاختبار الأخلاقي والعروبي الأكبر، فقد حسمه الميدان؛ فبينما مرغ "أنصار الله" أنف الكيان الصهيوني في التراب نصرةً لغزة المظلومة وأغلقوا باب المندب في وجه الملاحة الصهيونية، نرى الطرف الآخر يستجدي التحالف مع العدو التاريخي للأمة ويدعو للتطبيع في سقطة وطنية لا يغفرها التاريخ. وهنا يبرز التساؤل الوجودي الموجه لأصوات "فنادق الشتات": كيف يستقيم في عقل عاقل أن يُخوَّن المقاوم الذي واجه الصهاينة، ويُبرَّأ المطبّع الذي ارتمى في أحضان الخارج؟ الخاتمة: وقفة مع الذات إن الحقيقة اليوم لا تحجبها غرابيل التضليل؛ فمن ينكر وطنية من واجه الاحتلال ويبرر خيانة من ارتهن للأجنبي، إنما يعاني من انفصام في الانتماء. إن المسألة لم تعد وجهة نظر سياسية، بل هي اختبار لسلامة الفطرة والوطنية، ووقفة مع الذات قبل أن تكون موقفاً من السياسة. فاليمن بجمهوريته ووحدته وسيادته سيظل أكبر من كل مشاريع التجزئة، والضمائر الحية هي التي ستنتصر في نهاية المطاف لثبات النهج وعزة الهوية.