“هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه”؟ هذه الآية من سورة لقمان وضعتها عنوانا لأول كتاب كتبته في الجمع بين العلم والإيمان. بعنوان “الطب محراب للإيمان”. وكانت الآية تبحث في موضوع الدماغ البشري على وجه التعيين. ولكنها تضم حقولاً عن أجهزة البدن المختلفة. والبحث في الدماغ البشري أخذ مني مائة صفحة من البحث لمن أراد التعمق في مضامين الآية والبحث في الجملة العصبية المركزية. وبين ما كتبت والآن حوالي ثلاثون سنة. ولكن الدماغ ما زال يعتبر الدغل أو الغابة أو القارة المجهولة. ولم يزدد العلم في هذا الموضوع سوى في بعض الأبحاث مثل كشف عدد من الجينات لها علاقة بتركيب الدماغ. أو اكتشاف الاميجدالا وهي الغدة الصنوبرية ولها علاقة بالعواطف أو دورة العواطف. فكما يوجد دورة للجهاز الدموي الصغرى والكبرى ودورة للتنفس ودورة لسريان الدم عبر الشرايين العملاقة ووصولاً إلى أوعية دقيقة لا ترى إلا بالمجهر ودورة للدم وكيف يتصفى في الكلية. فإن العواطف لها دورة مخية وهو ماكشفه أحد علماء النفس. وأرجع إلى الدماغ فأقول: إنه فعلاً نظام محير ومدهش ورائع ويعجز الإنسان عن وصفه ومحيط مترامٍ يكشف الطب كل يوم شيئاً من شواطئه ولم يدخلوا أعماقه بعد. وكانت المعلومات التي تلقيناها عندما كنا طلاباً في كلية الطب أن عدد النورنات أي الخلايا العصبية ثلاث عشرة مليار خلية ولكن الرقم ارتفع وما يزال, وآخر الأرقام حومت حول مائة مليار خلية عصبية في قشر المخ المكونة من ست طبقات مثل طبقات الأرض وتحتها مادة بيضاء وهي مكونة من خلايا دبقية استنادية قدرت بثلاثمائة مليار وكابلات عصبية تنطلق من نورنات المادة الرمادية بما يعجز عنه كل كابلات تلفونات العالم. وقدر نشاط الذهن كما لو فتحت في اللحظة الواحدة كل عناوين أهل نيويورك واتصلت بهم في لحظة واحدة. ومشكلة الوعي أو الانتباه والإدراك شيء محير حتى الآن للعلماء. وهناك محطات غير مفهومة عن علاقة مايسمى عالم ماتحت الشعور أو مافوق الشعور حيث تتدفق الأفكار الإبداعية. ومشكلة الرقم المرعب من مائة مليار خلية عصبية يمكن تخيلها وقد نصل للدوار أو بالأحرى الخشوع عندما نتصور مائة مليار خلية عصبية وكل واحدة منها مزودة بامتدادات تبدأ من الألف لتصل إلى مائتي ألف في تشابك مرعب يقف التفكير عند حدوده. وهذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه؟!.