من المؤسف أن ابن النفيس الذي اكتشف الدورة الدموية الصغرى ضاعت أخباره بين سطور التاريخ وفي الوقت الراهن بدأوا يعيدون الاعتبار له لأنه كان من السباقين. كما هو الحال لابن بطوطة وماركو بولو.. وأنا قرأت بحثاً مثيراً في مجلة ألمانية قالت عن ماركو بولو :إنه لم ير سور الصين وكل نقولاته كانت من ابن بطوطة الذي كان أفضل من سافر وأرخ وقطع المسافات وأضنى عمره في ثلاث رحلات لم يفعلها أحد من قبله. والكشوفات العلمية هي في حالة تراكمية تنمو بالحذف والإضافة فهذا قانون أساس والطب لم ينمُ مثلاً إلا بهذه الطريقة فمسح أباطيل كثيرة ورسخ حقائق تنمو بدون توقف مثل النزول إلى مستوى الأنسجة بعد الأعضاء حيث عرفنا مثلاً أن الجهاز الهضمي مكون من مجموعة من الأعضاء بدءً من الغدد اللعابية ومروراً بالمعدة وانتهاء بالكولونات. وكل عضو مكون من شبكات من الأنسجة. والمعدة تحمل جدارها أربع طبقات من الأنسجة. وفي النسيج الداخلي غدد بالملايين لإفراز حمض كلور الماء. فإذا نزلنا من مستوى الأنسجة وصلنا إلى عمل عدد مرعب من الخلايا بالمليارات. فإذا نزلنا إلى مستوى الخلية الواحدة تبين أنها جهاز في غاية التعقيد فإذا دخلنا النواة في الخلية وقفنا مذهولين أمام تركيب الحمض النووي من ثلاثة مليارات حرف أي حمض نووي في نواة كل خلية من «سبعين مليون مليون خلية» تتوزع في 210 أنواع من الأنسجة والله خلقكم وما تعملون. ومن أشدها تعقيداً - وما زال- مكانة الدماغ وعمل القلب. ونحن نعرف اليوم أن مركز التفكير أو على الأقل المكان الذي تمر عبره العمليات الذهنية هي الخلايا العصبية ولكن على نحو مجهول. ومن أفظع الأغلاط التي وقع فيها أرسطو اعتبار القلب مكان التفكير وأن الدم يتصفى بمروره بالكبد. ونحن نعرف حالياً أن مصافي البدن أكثر من واحدة فما صفى الدم من غاز الفحم ومنحه الأكسجين هي الرئتان وما صفى الدم مما تكدر فيه من نفايات هي الكلية وعلى مدار الساعة بأفضل من أية مصلحة تنظيف في العالم وبمقدار 1800 ليتر من الدم كل 24 ساعة. وفي الخطأ نفسه وقع جالينوس عن موضوع الدماغ والقلب. ولكن يبدو أن «أبوقراط» اليوناني هو أول من انتبه إلى أن الأحاسيس والمشاعر والذاكرة والذكاء وكل الفعاليات العقلية مركزها الدماغ.