فأما روبرت غرين - صاحب كتاب القوة - فوضع كتاباً بعنوان «الحرب». ومن الصين كتب لاوتسي قوانين لها، وهناك من يؤمن أنها مرض أزلي لا فكاك منه ولا خلاص، واعتبر هرقليطس أنها أب وأم التاريخ. مع هذا فالتخلص من الحرب ضروري وممكن وأخلاقي. فهو أولاً ضروري لأنه يحافظ على استمرار تدفق الحياة في ظل تطور السلاح الخرافي الذي يمكن أن ينهي الحياة على وجه الأرض بما فيها اتفاقية ستارت 2 التي عقدت بين روسيا وأمريكا عام 1993م والتي تنص على إنزال مخزون الرؤوس النووية إلى 3500 رأس نووي لكل طرف كحد أعلى حتى العام 2003م، وهو رقم يكفي لمسح الحياة من ظهر الكوكب مرات. ثم مددت الاتفاقية من جديد بين أوباما ومديدييف. والسلاح النووي ليس بشيء أمام السلاح الكيماوي والبيولوجي. واليوم يمكن لفرقة انتحارية أن تحمل من هذه الأسلحة ما تقضي به على مدن بمن فيها من السكان. وثانياً: التخلص من الحرب ممكن لأن الحرب تشن بكامل الوعي والإرادة المصممة، وهي كما يقول عالم النفس السلوكي سكينر: الحرب تنشأ في الرؤوس قبل الفؤوس. وثالثاً: التخلص من الحرب أخلاقي؛ لأنه يفتح باب التفاهم بين البشر وتنمية آليات الحوار ونشر الرحمة والحب والإخاء بين الأنام. مع هذا يبقى السؤال المحير عن نشوب الحرب، لماذا حدثت مع أنها أم الفظاعات والجنون الكامل؟ ونحن نعرف من الطبيعة أن ظاهرة الحرب غير موجودة عند الحيوانات. وانتبه عالم النفس النمساوي لورنس إلى عالم الذئاب أن الذئب لا يفتك بالذئب والمهزوم منهما يكشف عن رقبته تضرعاً فيعف عنه الآخر. ووقف فولتير متعجباً لظاهرة الذبح الجماعي أن الجنود يقتلون بالأوامر وهم يقتلون من لا يعرفون وليس بينهم عداوة وثأر، ولعل الجنود لو اجتمعوا في مكان آخر لشربوا وأكلوا سوية. ولكن بالحرب وعلى الأوامر يتم قتل الإنسان للإنسان. أما المؤرخ البريطاني توينبي فاعتبر من خلال دراسته المستفيضة للتاريخ أن الحروب كانت تسلية الملوك، فكما يصطادون الغزلان البرية يفلتون الشباب على بعض، ويتسلون وهم يرون الشباب يطعن بعضهم بعضاً ويقتل بعضهم بعضاً كما رأينا في فيلم سبارتاكوس. ولكن توينبي يقول: إذا كان صيد السمك اليوم قد تحوّل إلى تسلية، ولم يعد يؤدي دور الطعام والشبع كذلك الحرب فقد انتهت كمؤسسة ولم تعد تؤدي دوراً. أما العسكري الفرنسي غاستون بوتول فقد أنشأ معهداً لدراسة الحرب، وقام برصد النزاعات في مدى القرنين الفائتين وهو يقول: إن الأمراض لها كليات الطب، ومع أن الحرب هي أم كل الأمراض، ولكن ليس لها معاهد، واكتشف أن 360 نزاعاً مسلحاً وقع في الفترة السابقة ومات 200 مليون من البشر. واليوم انتهت تقريباً حروب الدول وبدأ صنف جديد من النزاع سموه الإرهاب، ولن يتوقف النزاع البشري على ما يبدو حتى يتحقق العدل كما خاطب إبراهيم قومه «فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون». وسيكون ذلك بولادة دولة عالمية.