المتأمل ملياً في مضامين الوثائق التي سرّبها موقع ويكيليكس مؤخراً يجد أن مثل هذه الوثائق ليست بمستوى وصفها ب”الوثائق” كونها لا تكشف عن حقائق ومعلومات على قدر من الأهمية، بقدر ما تكون رؤى وأحاديث مقتضبة جرت بين الدوائر الاستخبارية والسياسية الأمريكية وقيادات مسئولة في عدد من دول العالم ليتم استغلالها استغلالاً سيئاً وعقيماً بغية ضرب العلاقات القائمة بين الدول وبعضها البعض وخلق تصدعات في هذه العلاقات لغايات وأهداف معروفة، وخصوصاً في الشرق العربي والإسلامي وبالذات منطقة الشرق الأوسط التي تشهد صراعات دولية وتسابقاً محموماً للقوى الدولية من أجل تعزيز حضورها السياسي والعسكري والاقتصادي فيها وتعزيز موقف وحضور إسرائيل في المنطقة من خلال بذر فتن وصراعات وتصدعات في العلاقات بين دول المنطقة العربية والشرق الإسلامي والنيل من زعماء عرب وبعض كبار الساسة ومحاولة تشويه مواقفهم حيال قضايا داخلية وخارجية مهمة باسم القيل والقال وأسلوب الدس الرخيص والمكشوف لموقع ويكيليكس إذ أن غالبية الوثائق المسربة تنص بأن فلاناً قال وفلاناً آخر قال، وعلى هذا النحو الممقوت الذي يعكس غايات حاقدة ونوايا سيئة تصب في خدمة إسرائيل وتصديع العلاقات العربية والإسلامية ببعضها وعلى المستوى الداخلي أيضاً لكثير من هذه الدول، وكما يقول ميكافيلي فإن “الغاية تبرر الوسيلة”. لقد أكدت كثير من الدول والشعوب في ردودها الأولى على هذه التسريبات مقتها لهذا الأسلوب الرخيص الذي يسيء لأطراف العلاقات مجتمعة بما فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية التي هي المعنية بها في المقام الأول حيث تلقي بظلال الشكوك والتعامل الحذر في كل جوانب وأشكال علاقاتها وشراكتها مع غالبية دول العالم خلال الفترة المقبلة ويقلل حجم الثقة بينها والدول الصديقة وغير الصديقة على مستوى العالم. وإذا كانت كثير من الأقطار العربية والإسلامية هي محط استهداف واضح وجلي من هذه التسريبات بغية إحداث شروخ داخلية والنيل من العلاقات الثنائية بينها فإن من الضرورة بمكان التعامل المنطقي والحكيم في ردود الأفعال حيال هذه التسريبات وتجاهلها كلياً وعدم إعطائها أي اعتبار أو أهمية وتجاوزها، واعتبارها لا تعني أحداً ولا تتجاوز صفة الدس الرخيص ومساعٍ غير أخلاقية لخلق حالة من الشتات والتصدع وإحداث هوة وشكوك في العلاقات بين كثير من الأقطار المتجاورة وتشويه المواقف للرموز والساسة ومحاولة للاصطياد في الماء العكر. إن الرؤية الصحيحة والمنطقية لهذه التسريبات وغاياتها وأهدافها يستوجب النفاذ إلى العمق واستشعار الظروف التي تعيشها المنطقة العربية والشرق الإسلامي المتسمة بالاستهداف ومحاولات التفرقة والتجزئة من القوى الحاقدة على العروبة والإسلام، فمازالت العراق وأفغانستان في ظروف الاحتلال ومحاولات لتجزئة السودان وإشعال الصراع في لبنان واستهداف دول أخرى بمبررات وحجج واهية، ومازالت إسرائيل تواصل الاستيطان وترفض السلام الذي تنشده دول المنطقة دون أية إجراءات للمجتمع الدولي في تحدٍ صريح للإجماع الدولي ومنظمة الأممالمتحدة ذاتها. إن الموقف الراهن وغايات وأهداف هذه التسريبات يحتم على كل الدول العربية والإسلامية تجاهلها كلياً باعتبارها لا تعني أحداً؛ لتفويت الفرصة على أصحابها في تحقيق غاياتهم الدنيئة المعروفة سلفاً.