من أقرب أصدقائه علي ناصر ومحمد علي أحمد.. وقت محنته تخلوا عنه    توافقات بين رئيس اتحاد الكرة مع لجنة وزارية لحل مشكلة أندية عدن    أمطار رعدية غزيرة على 15 محافظة خلال الساعات القادمة.. وتحذيرات مهمة للمواطنين    جماعة الحوثي تعلن ايقاف التعامل مع ثاني شركة للصرافة بصنعاء    بسبب والده.. محمد عادل إمام يوجه رسالة للسعودية    أبوظبي اكستريم تعلن عن طرح تذاكر النسخة الرابعة التي ستقام في باريس 18 مايو الجاري    مأساة في تهامة.. السيول تجرف عشرات المساكن غربي اليمن    ثلاث محافظات يمنية على موعد مع الظلام الدامس.. وتهديد بقطع الكهرباء عنها    عندما يغدر الملوك    النائب العليمي: مليشيا الحوثي تستغل القضية الفلسطينية لصالح اجندة ايرانية في البحر الأحمر    جزار يرتكب جريمة مروعة بحق مواطن في عدن صباح اليوم    قارورة البيرة اولاً    أساليب أرهابية منافية لكل الشرائع    حرب غزة تنتقل إلى بريطانيا: مخاوف من مواجهات بين إسلاميين ويهود داخل الجامعات    رئيس انتقالي شبوة: المحطة الشمسية الإماراتية بشبوة مشروع استراتيجي سيرى النور قريبا    المحطات التاريخية الكبرى تصنعها الإرادة الوطنية الحرة    مهام العليمي وبن مبارك في عدن تعطيل الخدمات وإلتقاط الصور    العدالة تنتصر: قاتل حنين البكري أمام بوابة الإعدام..تعرف على مراحل التنفيذ    متصلة ابنها كان يغش في الاختبارات والآن يرفض الوظيفة بالشهادة .. ماذا يفعل؟ ..شاهد شيخ يجيب    أتالانتا يكتب التاريخ ويحجز مكانه في نهائي الدوري الأوروبي!    الدوري الاوروبي ... نهائي مرتقب بين ليفركوزن وأتالانتا    ضوء غامض يشعل سماء عدن: حيرة وتكهنات وسط السكان    لا وقت للانتظار: كاتب صحفي يكشف متطلبات النصر على الحوثيين    الحوثي يدعو لتعويض طلاب المدارس ب "درجات إضافية"... خطوة تثير جدلا واسعا    قوة عسكرية جديدة تثير الرعب لدى الحوثيين وتدخل معركة التحرير    مراكز مليشيا الحوثي.. معسكرات لإفساد الفطرة    ولد عام 1949    الفجر الجديد والنصر وشعب حضرموت والشروق لحسم ال3 الصاعدين ؟    فرصة ضائعة وإشارة سيئة.. خيبة أمل مريرة لضعف استجابة المانحين لليمن    هموم ومعاناة وحرب خدمات واستهداف ممنهج .. #عدن جرح #الجنوب النازف !    بلد لا تشير إليه البواصل مميز    أمين عام حزب الشعب يثمن موقف الصين الداعم للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة مميز    باذيب يتفقد سير العمل بالمؤسسة العامة للاتصالات ومشروع عدن نت مميز    دواء السرطان في عدن... العلاج الفاخر للأغنياء والموت المحتم للفقراء ومجاناً في عدن    لعنة الديزل.. تطارد المحطة القطرية    منذ أكثر من 70 عاما وأمريكا تقوم باغتيال علماء الذرة المصريين    الخارجية الأميركية: خيارات الرد على الحوثيين تتضمن عقوبات    تضرر أكثر من 32 ألف شخص جراء الصراع والكوارث المناخية منذ بداية العام الجاري في اليمن    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل بوزارة الخارجية وشؤون المغتربين    "صحة غزة": ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و904 منذ 7 أكتوبر    الدين العالمي يسجل مستوى تاريخيا عند 315 تريليون دولار    5 دول أوروبية تتجه للاعتراف بدولة فلسطين    امتحانات الثانوية في إب.. عنوان لتدمير التعليم وموسم للجبايات الحوثية    ريال مدريد يقلب الطاولة على بايرن ميونخ ويواجه دورتموند في نهائي دوري أبطال أوروبا    دوري ابطال اوروبا .. الريال إلى النهائي لمواجهة دورتموند    مدير عام تنمية الشباب يلتقي مؤسسة مظلة    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    صفات أهل الله وخاصته.. تعرف عليها عسى أن تكون منهم    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    البشائر العشر لمن واظب على صلاة الفجر    البدعة و الترفيه    الشيخ علي جمعة: القرآن الكريم نزَل في الحجاز وقُرِأ في مصر    تعز: 7 حالات وفاة وأكثر من 600 إصابة بالكوليرا منذ مطلع العام الجاري    ها نحن في جحر الحمار الداخلي    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ويكيليكس وحروب الظلام.. من موقع الى ظاهرة عالمية
نشر في نبأ نيوز يوم 10 - 01 - 2011

كما نعلم، تحول ويكيليكس من مجرد موقع على شبكة الانترنت إلى ظاهرة عالمية تشغل العالم كله، على المستويات الرسمية وغير الرسمية.
إقدام ويكيليكس على نشر مئات الآلاف من الوثائق السرية، وما ارتبط بذلك من ردود فعل على مختلف الأصعدة السياسية والإعلامية، فجر عشرات الأسئلة، وفجر جدلا هائلا حول قضايا كثيرة، اختلفت فيها الآراء. قضايا على الأصعدة السياسية والإعلامية والأخلاقية.
نعني هنا تساؤلات وقضايا من قبيل: هل ما فعله ويكيليكس من نشر هذه الوثائق السرية هو عمل إعلامي يندرج في إطار ممارسة الحريات الإعلامية، أم يمثل جريمة قانونية وسياسية؟ هل يمكن اعتبار ما فعله الموقع عملا إعلاميا من الأساس أم لا؟ هل القائمون على هذا الموقع بما فعلوه يعتبرون أبطالا قدموا خدمة للعالم والرأي العام العالمي وقضية الحرية والشفافية، أم هم مجرمون تجب ملاحقتهم؟ ما الذي يجوز ولا يجوز نشره؟.. بمعنى، هل من الجائز أخلاقيا حين تحصل جهة ما أيا كانت على وثائق ومعلومات سرية أن تنشر هذه الوثائق وبغض النظر عما يمكن أن تحدثه من آثار سلبية أو مدمرة أحيانا؟
وبالإضافة إلى كل هذه التساؤلات، أثار نشر ويكيليكس للبرقيات السرية للخارجية الأمريكية تساؤلات مهمة حول أمن المحادثات الدبلوماسية، إن جاز التعبير.
وبشكل أعم، أثارت القضية بالطبع تساؤلات أخرى كثيرة حول هذا العالم الافتراضي المذهل المسمى بالانترنت، وإلى ماذا يمكن أن يقودنا إليه، وكيف يجب التعامل معه مستقبلا.
كل هذه التساؤلات والقضايا هي بالفعل موضع جدل واسع اليوم من جانب الخبراء والمحللين، وجهات معنية شتى في العالم كله.
لكن الأمر الذي يعنينا في هذه المقالات هو التوقف عند قضية جوهرية أساسية، وفيها تكمن على أية حال إجابات عن كثير من هذه التساؤلات السابقة، أو على الأقل تقدم مفاتيح لهذه الإجابات.
القضية هي: كيف يمكن أن نقيم "عملية" ويكيليكس هذه أصلا؟
هل وراء هذه العملية أناس ينشدون الحقيقة فعلا، وينشدون الصالح العام لشعوب العالم، ولديهم أغراض إعلامية وسياسية نبيلة، كما يعلنون بالفعل؟.. أم أن هذه عملية مشبوهة تندرج في إطار ما يعرف عموما ب"حروب الظلام"، أي حروب وصراعات أجهزة مخابرات عالمية، وقوى عالمية تسعى لتحقيق أهداف وغايات محددة لا علاقة لها في واقع الأمر بالأغراض النبيلة التي تتحدث عنها جماعة ويكيليكس؟
هذه القضية الجوهرية هي في الحقيقة موضع اهتمام من محللين كثيرين في العالم وقدموا في خصوصها آراء مهمة. وهذا الجدل لم يبدأ مؤخرا فقط مع نشر برقيات الخارجية الأمريكية، كما قد يتبادر إلى الذهن، بل هو جدل بدأ منذ نشأة موقع ويكيليكس هذا في عام 2006.
وفي ما يأتي، سوف نحاول الإجابة عن هذه التساؤلات، وسوف نقدم مختلف الشهادات التي أدلى بها كبار المحللين العالميين، ثم سنحاول أن نضع كل هذا في سياق تحليلي موضوعي.
منافع جانبية
بداية، وقبل أن نعرض لمختلف جوانب القضية الجوهرية التي طرحناها، ونستعرض مختلف الآراء، لا بد أن نعترف بأن عملية ويكيليكس هذه كانت لها بلا شك منافع شتى، ومن زوايا متعددة.
قبل كل شيء، لعبت عملية ويكيليكس دورا ترفيهيا مهما للقراء والمتابعين لها في مختلف أنحاء العالم.
نشر كل هذه الوثائق السرية وما جاء بها، قدم للقراء والمتابعين مادة ثرية للتسلية، والنميمة، والقيل والقال، عن ساسة وعن دول.
والأمر الذي لا شك فيه أن الوثائق السرية التي نشرت، تعتبر بشكل عام مادة ثرية للباحثين، والمحللين والكتاب والصحفيين، والمهتمين عموما، يستفيدون منها، ويقلبونها كيفما يشاءون، ويستخدمونها بالوجهة والكيفية اللتين يرون، كل حسب توجهاته وانتماءاته .
ولا شك أيضا أن نشر الوثائق السرية، أعطى دروسا للدبلوماسيين في كل دول العالم. لا شك أن هذه العملية نبهت الدبلوماسيين في العالم كله إلى جوانب معينة يتجنبونها أو يتمسكون بها ويراعونها عندما يجرون محادثات دبلوماسية غير معلنة بشكل عام، وليس فقط مع المسؤولين الأمريكيين. وعموما، لا شك أن كثيرا من دول العالم سوف يتغير أداؤها الدبلوماسي بهذا القدر أو ذاك بعد عملية ويكيليكس.
وبالطبع، بفضل ويكيليكس، لا شك أن قضية الحفاظ على سرية الوثائق والمعلومات بشكل عام التي لا يراد لها ألا ترى النور قد أصبحت قضية موضع اهتمام كبير من جانب دول العالم. ولا شك أن دول العالم اصبحت تبحث القضية وتبحث عن أفضل السبل للحفاظ على سرية المعلومات والوثائق.
كل هذه، وغيرها أيضا، هي منافع لا جدال فيها. لكن الأمر الذي لا ريب فيه، كما سوف نرى، أن هذه المنافع التي ترتبت على تسريبات ويكيليكس هي منافع جانبية، وغير مقصودة. نعني أن هذه المنافع لم تكن على الأرجح واردة أصلا في ذهن القائمين على ويكيليكس ومن وراءهم عندما نفذوا هذه العملية. وهذا بالضبط هو جوهر القضية التي نريد أن نعرض لها ونناقشها.
نعني أنه وفقا لأي تقييم موضوعي هادئ لعملية ويكيليكس هذه، وبهذه الضخامة وبما أحدثته من ضجة عالمية، لا بد أن يصل إلى أنها عملية سياسية كبرى، لا يمكن أن يكون وراءها مجرد أشخاص لديهم موقع على الانترنت، وأن هذه العملية مقصود بها بالأساس توجيه رسائل سياسية محددة لتحقيق غايات سياسية مدروسة بعناية.
وعلى أي حال، وقبل أن نستبق ما يمكن أن تقود إليه المعلومات والتحليلات، لنا أن نتوقف عند نقطة مهمة هي، كيف نقيم عملية ويكيليكس ابتداء؟
معايير التقييم
إذا أردنا أن نقدم تقييما موضوعيا مقبولا لعلمية ويكيليكس بأبعادها المختلفة، كيف يجب أن يكون هذا التقييم؟.. بعبارة أدق، ما هي المعايير التي يجب أن نستند إليها في الحكم والتقييم؟
يمكن القول إن المعايير التالية كافية للوصول إلى تقييم معقول بشكل عام:
1 - من هم هؤلاء القائمون على ويكيليكس بالضبط؟.. ما هي خلفياتهم وارتباطاتهم وسوابقهم؟
2 - كيف تم الحصول على كل هذه الألوف المؤلفة من الوثائق السرية؟
3 - ما هي طبيعة الوثائق التي تم نشرها بالضبط؟.. بمعنى، هل هي وثائق جامعة مانعة، أي أنه تم نشر كل الوثائق التي حصلوا عليها، أم تم اختيار ما ينشر وما لا ينشر؟.. وإذا كان قد تم اختيار ما ينشر وما لا ينشر، فعلى أي أساس؟ وما هي الرسائل السياسية التي يحملها هذا الاختيار بالضبط؟
4 - من هم المستفيدون بالضبط، أو الجهة الأساسية التي استفادت أساسا من الوثائق التي يتم نشرها؟.. وبالمقابل، من هم المتضررون أساسا، أو الجهة الأساسية التي تضررت؟
5 - كيف يمكن أن نضع المعلومات المتوافرة بخصوص المعايير السابقة في سياق تحليلي عام منطقي ومعقول يعين في النهاية على فهم الظاهرة بشكل عام؟
هذه هي المعايير الأساسية التي حددناها، وسنسعى بقدر الإمكان إلى تقديم المعلومات، والشهادات التحليلية المتوافرة بخصوصها...
الشيء اللافت أن الموقع، ومنذ نشأته، تحيط به الشبهات.. الشبهات حول هوية القائمين عليه ومن يدعمهم، وحقيقة الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها.
بداية، كان لافتا حين نشأ الموقع أن حدد أولويات اهتماماته، وجاء على رأس هذه الأولويات على الإطلاق "كشف النظم القمعية في آسيا، والكتلة السوفييتية السابقة، والدول الأفريقية، والشرق الأوسط".. هذا بنص ما جاء في الموقع في ذلك الوقت، لكنه لاحقا لم يعد يذكر ذلك. وأن يحدد الموقع أنه يستهدف أساسا دول هذه المناطق، ويستثني كل الدول الغربية، كان بحد ذاته أمرا مثيرا للتساؤل.
مؤسس الموقع جوليان أسانج، يحيط الغموض والشبهات به منذ البداية. الأمر الأساسي المعروف عنه أنه كان واحدا من أكبر قراصنة الكمبيوتر في العالم. أما ما عدا ذلك، فقد أثار كثير جدا من المحللين ومنذ انطلاق الموقع التساؤلات حول سوابقه وارتباطاته والدور الذي يلعبه.
نشير هنا مثلا إلى أن الكاتبة والصحفية الأمريكية جولي ليفيسك نشرت تحليلا طويلا جدا عن أسانج وويكيليكس بصفة عامة أثارت فيه عشرات التساؤلات والجوانب المشبوهة في سيرة أسانج العملية وغموض الجهات التي عمل معها قبل انطلاق الموقع، وأيضا حول الهيئة الاستشارية للموقع عندما انطلق وحقيقة ارتباطاتهم وأهدافهم.. الخ. وبعيدا عن الجوانب الشخصية المتعلقة بأسانج أو أعضاء الهيئة الاستشارية، المهم كما ذكرت الشبهات التي أحاطت بالموقع نفسه وبحقيقة اهدافه.
كان لافتا هنا أنه بعد انطلاق ويكيليكس بأسابيع قليلة، وتحديدا في يناير 2007، استقال جون يونج، أحد المؤسسين للموقع وتركه نهائيا. وكان السبب الذي أعلنه لاستقالته أنه خدع، وأنه اكتشف أن مجموعة ويكيليكس تعمل في حقيقة الأمر لحساب المخابرات المركزية الأمريكية، السي. آي. ايه. وقال إن ويكيليكس في حقيقة الأمر جزء من السي. آي. ايه. وقال، في أحاديث صحفية كثيرة جدا في الفترة الماضية، إنه في البداية كان يظن أن ويكيليكس هي منظمة للنفع العام ولخدمة أهداف عامة، لكنه سرعان ما اكتشف أن الأمر ليس هكذا أبدا، وأنه اكتشف بالإضافة إلى ما سبق أنهم يتاجرون في معلومات المخابرات التي يحصلون عليها، أي يبيعونها لمن يدفع، أو يستخدمونها لحساب من يدفع، وأنها في حقيقة الأمر كما يقول "منظمة إجرامية".
كثير من المحللين أثاروا مسألة تمويل ويكيليكس، ومَن الذين يمولونهم بالضبط. وفي 23 أغسطس الماضي، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية تقريرا طويلا عن هذه المسألة، تحدثت فيه عن سرية مصادر تمويل ويكيليكس، والحرص على أن تبقى مصادر التمويل هذه غامضة لا يعرف أحد عنها شيئا. وقالت الصحيفة إن هذا الأمر في حد ذاته يدعو إلى الريبة، ويناقض تماما ما يدعيه القائمون على ويكيليكس من الحرص على الشفافية والوضوح.
وبالاضافة إلى ما سبق، هذه شهادة تستحق التوقف عندها مطولا. واين ماديسون كاتب ومحلل أمريكي شهير، نشر في 28 يوليو، أي قبل نشر ويكيليكس للوثائق السرية الأخيرة للخارجية الأمريكية تحليلا طويلا في موقعه على الانترنت، نورد منه ما يلي:
قال: "علمنا من مصادر مخابرات آسيوية أن هناك اعتقادا قويا في بعض الدول الآسيوية، وخصوصا في الصين وتايلند، أن موقع ويكيليكس الذي ينشر وثائق سرية حساسة مرتبط بحرب الكترونية أمريكية، وعمليات تجسس الكتروني، ومرتبط أيضا بحرب الكترونية يشنها الموساد الإسرائيلي.. وتقول هذه المصادر إن ويكيليكس يشن حرب تضليل إعلامية.. وفي الصين يشتبهون في علاقاته بالموساد".. ومضى يقول أيضا: "وعلمت مصادرنا أن ويكيليكس هو بالفعل إحدى واجهات السي آي ايه، ومتورط في عملية للسي آي ايه تكْلفتها 20 مليون دولار، ويشارك فيها منشقون صينيون يقومون بعمليات قرصنة لأجهزة الكمبيوتر في الصين.. وعلمت مصادرنا أن المسؤولين في السي آي ايه استشاطوا غضبا عندما اكتشفوا أن القائمين على ويكيليكس يقومون بتسريب المعلومات التي يحصلون عليها إلى الموساد الإسرائيلي، ونتيجة لذلك أوقفت المخابرات الأمريكية تمويلها لويكيليكس.. وبالإضافة إلى هذا علمت مصادرنا أن الملياردير المعروف سوروس تحوم شبهات حول علاقته بويكيليكس".
كما نرى، إذا صحت هذه المعلومات التي ذكرها المحلل الأمريكي، وإذا ربطناها بما قاله عضو الهيئة الاستشارية الذي استقال، فمعنى هذا ببساطة أن ويكيليكس بدأت كعملية للمخابرات الأمريكية لتحقيق أهداف محددة، لكن الموساد الإسرائيلي استولى عليها بعد ذلك، لتحقيق أهداف أخرى بالطبع.
ما ينشر وما لا ينشر
كما هو معروف، نشر ويكيليكس، أو تعهد بنشر مئات الآلاف من الوثائق. نشر في البداية عشرات الآلاف من الوثائق عن أفغانستان، ثم نشر مئات الآلاف عن العراق، وأخيرا مئات الآلاف من وثائق الخارجية الأمريكية.
هذا العدد المهول من الوثائق التي ينشرها الموقع يعطي الانطباع بأنه ينشر كل الوثائق التي يحصل عليها بلا استثناء من دون انتقاء، وبغض النظر عما تتضمنه هذه الوثائق من معلومات حول أي من القضايا. لكن الحقيقة غير هذا تماما. الحقيقة أن الموقع لا ينشر كل ما يحصل عليه من وثائق. وعملية النشر انتقائية تماما. بمعنى أن ما ينشر يتم اختياره بعناية شديدة، وكذلك الأمر بالطبع بالوثائق التي يتم حجب نشرها.
هذه المسألة في حد ذاتها تثير بالطبع عشرات التساؤلات والشبهات:
وعلى سبيل المثال:
1 - ما الذي يتم اختيار نشره من وثائق وما الذي يتم حجب نشره، وعلى أي أساس يتم هذا، ولأي أهداف أو غايات سياسية بالضبط؟
2 - من الذي يقوم بعملية الاختيار هذه أصلا؟ بداهة، هذه عملية ضخمة جدا لا يمكن أن يقوم بها شخص من القائمين على الموقع أو حتى مجموعة أشخاص. هذه عملية لا يمكن أن تقوم بها بداية إلا أجهزة مخابرات مختصة تعرف ماذا تريد بالضبط، وتعرف أي رسالة سياسية بالضبط تريد توجيهها من وراء نشر الوثائق التي يتم اختيارها.
3 - كثير من المحللين المهتمين بمتابعة القضية لفتوا الانتباه إلى جانب مهم وخطير، وهو أنه في ظل هذا العدد الهائل من الوثائق التي يتم نشرها، والتي يستحيل على أي فرد مهما تكن درجة متابعته واهتمامه، بل يستحيل على أي جهة أن تدقق فيها.. في ظل هذا، ليس من المستبعد، بل من الوارد جدا، أن يتم "زرع وثائق" وسط هذا العدد الهائل، وهذا بالطبع بهدف تحقيق أهداف سياسية محددة. وطبعا، من الصعب جدا كما ذكرنا أن يستطيع أي فرد، ولا حتى أي جهة اكتشاف مثل هذه الوثائق المزروعة.
4 - بالإضافة إلى كل ما سبق، من الملاحظ أنه من بين ما يتم اختياره للنشر، فإن جهة ما تتولى مسبقا بالطبع تنظيم حملات إعلامية منظمة جدا لإبراز مواقف بعينها والتركيز في قضايا بعينها. وقد لاحظنا هذا خصوصا مع الوثائق الأخيرة المتعلقة ببرقيات الخارجية الأمريكية.
إذن، في ضوء ما قدمناه مبدئيا حول عملية ويكيليكس، يمكن أن نصل إلى خلاصات مبدئية محددة هي:
1 - أن هذا الموقع ومنذ إنشائه تحيط به الشبهات، سواء من حيث الأشخاص القائمون عليه، أو من حيث الذين يقفون وراء إنشائه أصلا، أو من حيث مصادر تمويله، أو من حيث حقيقة الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها.
2 - أنه من الصعب جدا ان ننظر إلى عملية ويكيليكس هذه على اعتبار أنها تندرج في إطار عمل إعلامي ينشد الوصول إلى الحقيقة أو تنوير الرأي العام، أو توسيع نطاق الحريات وتكريس الشفافية، وغير ذلك من أهداف يزعم القائمون على الموقع أنهم ينشدون تحقيقها.
3 - أن ما يقوم به الموقع وبالكيفية التي يقوم بها لا يمكن إلا أن يكون عملية سياسية كبرى لتحقيق أهداف وغايات سياسية محددة.
4 - أن هذه العملية برمتها لا يمكن أن تكون مجرد عمل لفرد أو عدد من الأفراد أو موقع على الانترنت. هذه عملية وراءها بالضرورة أجهزة مخابرات عالمية.
من وراء هذه العملية بالضبط؟.. وما هي الأهداف السياسية المحددة التي تسعى لتحقيقها؟.. ولصالح من وعلى حساب من؟..
أين هذه التسريبات؟
قبل أن اتعرض لهذا الجانب فيما يتعلق بالوثائق الأخيرة، وثائق الخارجية الأمريكية، وما الذي يشير إليه سياسيا الوثائق التي تم اختيارها للنشر حتى الآن، لا بد أن أتوقف عند فقرات من تحليل مطول، يتعلق بهذا الجانب بالذات، نشره الكاتب الأمريكي جوناثان عزازية، فيما يخص الوثائق التي سبق لويكيليكس أن نشرها عن أفغانستان وعن العراق. وعنوان التحليل هو "ويكيليكس والسم الصهيوني". وقد نشر هذا التحليل قبل نشر الموجة الأخيرة من وثائق الخارجية الأمريكية.
يقول الكاتب: "كانت أول التسريبات الكبيرة في مطلع العام تتعلق بأفغانستان، حيث تم نشر أكثر من 29 ألف وثيقة. الوثائق التي تم نشرها تضمنت وثائق سرية عن القتلى المدنيين الذين قتلتهم القوات الأمريكية وقوات الناتو، وتضمنت قصصا عن أسامة بن لادن، وعن طالبان، وعن المخابرات الباكستانية.. وهكذا. لكن الأمر الغريب أنه لم تكن هناك وثيقة واحدة عن قيام إسرائيل بتدريب قوات لطالبان، ولا عن دور الموساد والسي آي ايه وكرزاي وشقيقه في عمليات تهريب المخدرات والاتجار فيها في أفغانستان. كما لم تكن هناك أية وثيقة عن علاقات كرزاي بمجرم الحرب هنري كيسنجر".
ويقول الكاتب عن وثائق العراق التي نشرها ويكيليكس: "كانت أكبر حملة تسريبات أخرى متعلقة كما هو معروف بالعراق حيث تم نشر 400 ألف وثيقة. ومرة أخرى، تضمنت الوثائق التي تم نشرها وثائق سرية عن قتل المدنيين، وعن دور نوري المالكي، وعن دور إيران في العراق.. وهكذا.
ولكن، أين التسريبات حول 55 شركة صهيونية تعمل في العراق وتمتص دماء العراقيين؟.. أين التسريبات حول الآثار العراقية التي سرقها عملاء الصهاينة؟.. أين التسريبات حول المئات من عملاء الموساد الذين يعملون في الموصل؟.. أين التسريبات حول منشأة صنع القنابل التابعة للموساد والموجودة في كركوك؟.. أين التسريبات حول تجار السلاح الإسرائيليين الذين يمدون فرق الموت الأمريكية في العراق بالسلاح؟.. أين التسريبات حول مجرم الحرب الصهيوني بول وولفويتز الذي استورد خبراء تعذيب من "الشين بيت" الإسرائيلي لتدريب العسكريين الأمريكيين في العراق؟.. أين التسريبات حول عملاء الموساد الذين شاركوا في استجواب وتعذيب المعتقلين في السجون العراقية بما في ذلك سجن أبو غريب؟.. أين التسريبات التي تربط الحرب غير الشرعية على العراق بإسرائيل، مع أن الكل يعلم أن الحرب كان وراءها الصهاينة؟".
الكاتب بعد أن يسوق كل هذه التساؤلات عن الوثائق التي تم نشرها عن أفغانستان والعراق يقول: "هذه التسريبات لا وجود لها فيما نشر لأن ويكيليكس ببساطة ليس مهتما بالكشف عن الحقيقة المرتبطة بالمجرمين الحقيقيين، لكنه مهتم بتضليل الرأي العام وإبعاده عن الحقيقة، وإبقائه تحت السيطرة".
إذن، كما نرى هذه التساؤلات الكثيرة التي طرحها عن التسريبات التي لا وجود لها فيما يتعلق بالدور الصهيوني في أفغانستان وفي العراق، هي تساؤلات وجيهة ومنطقية تماما. وبطبيعة الحال، فإن تجاهل هذه الوثائق لا يعني أنها غير موجودة، بل يعني أنه تم تقرير عدم نشرها عن قصد وعمد تامين.
ليست مصادفة
إذا كان هذا فيما يتعلق بالتسريبات السابقة عن أفغانستان والعراق، فماذا عن التسريبات الأخيرة المتعلقة بالخارجية الأمريكية؟ بالطبع، كان الأمر الاساسي الذي لفت أنظار الكل في العالم، لأنه كان أكبر من أن يخفى على أحد، هو أيضا أن هذه الوثائق الأخيرة كسابقتها لا تتضمن أي وثيقة واحدة يمكن أن تكون سلبية بالنسبة إلى الكيان الإسرائيلي، أو يمكن أن تتضمن أي معلومة غير معروفة تسيء إلى الإسرائيليين، أو بمعنى أدق يمكن أن تفضح جرائمهم في العالم والمعروفة على أية حال للقاصي والداني. ولم تتضمن الوثائق أي وثيقة يمكن أن تفجر مثلا فضيحة سياسية لأي مسؤول إسرائيلي.
وكما أن تجاهل نشر أي وثائق تتعلق بالدور الصهيوني في أفغانستان والعراق لا يمكن أن يكون مصادفة، فإن تجاهل نشر أي وثائق من وثائق الخارجية الأمريكية تتعلق بالكيان الإسرائيلي لا يمكن أن يكون مصادفة أيضا.
والأمر لا يتوقف عند هذا الحد فقط، أي عند حد تجاهل نشر هذه الوثائق. الأمر الذي لا يقل أهمية عن هذا هو أن الوثائق التي تم اختيارها للنشر تدعم بوجه خاص الكيان الإسرائيلي ورؤاه وأهدافه، وهذا ما سوف نناقشه بعد قليل.
ما هو التفسير إذن؟.. ما هو تفسير تعمد ويكيليكس حجب الوثائق المتعلقة بالكيان الإسرائيلي؟ التفسير المباشر الذي قدمه كثير جدا من المحللين في العالم أن هناك بالضرورة اتفاقا تم بين الموساد والمسؤولين الإسرائيليين وبين القائمين على ويكيليكس على هذا.
صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية نفسها نشرت تصريحات لأحد كبار المحللين الأمريكيين أدلى بها للصحيفة وقال فيها إن "هناك اتفاقا سريا تم التوصل إليه بين أسانج والموساد الإسرائيلي يتردد أنه تم في جنيف يتضمن تعهد أسانج بعدم نشر أي وثيقة يمكن أن تضر بالأمن الإسرائيلي أو مصالح إسرائيل الدبلوماسية".
في الحديث الذي أجرته قناة "الجزيرة" مع أسانج، نفى بالطبع أي اتفاق مسبق مع الموساد.. وهل سيعترف بمثل هذا الاتفاق؟ المهم أن ما قاله بعد ذلك، والذي أراد به تأكيد براءته من هذه التهمة، جاء في حقيقة الأمر ليدينه تماما.
قال أسانج إن لديه بالفعل 3700 وثيقة عن إسرائيل وإنه سوف ينشرها مستقبلا. وبالطبع، السؤال الذي لا بد أن يثار هنا هو: إذا كان لديه هذه الوثائق عن إسرائيل، فلماذا لم ينشرها أصلا حتى الآن؟.. ما هو السبب أو المبرر لتعمد حجب هذه الوثائق بالذات؟
وعلينا أن ننتظر لنرى إن كان سينشر هذه الوثائق أم لا. ليس هذا فحسب، بل لنرى أي وثائق سوف ينشرها بالضبط. أغلب الظن أنه سوف ينشر الوثائق التي تخدم الكيان الإسرائيلي أصلا لا تلك التي تدينه.
من المستفيد؟
إن أحد المعايير الأساسية لتقييم عملية ويكيليكس والحكم عليها، تحديد من المستفيد من الوثائق التي تم نشرها. والأمر هنا ببساطة شديدة، وبإجماع آراء كل من تابعوا واهتموا بالقضية، أن الكيان الإسرائيلي هو المستفيد الأول والأكبر من عملية ويكيليكس برمتها، ومن الوثائق التي تم نشرها.
الأمر ببساطة بعبارة أخرى، أن الرسائل السياسية الأساسية التي تم توجيهها وتأكيدها من خلال نشر الوثائق كلها تصب في اتجاه خدمة الكيان الإسرائيلي ومشروعه واستراتيجيته في المنطقة.
وحين نتحدث عن الرسائل السياسية التي تحملها الوثائق، فلا يعني هذا الرسائل التي يمكن أن يستخلصها أي قارئ لكل الوثائق المنشورة كيفما يرى. الذي حدث أنه ترافق مع نشر الوثائق الأخيرة المتعلقة بالخارجية الأمريكية حملة إعلامية، من الواضح طبعا أنه تم إعدادها سلفا، هدفها التركيز في وثائق بعينها من دون الأخرى، وتأكيد رسائل سياسية محددة يراد لها إن تصل إلى الرأي العام.
الفكرة الجوهرية في هذه الحملة، التي شاركت فيها كل الصحف الغربية الكبرى التي نشرت الوثائق، أن القارئ لن يذهب على الأرجح إلى عشرات الآلاف من الوثائق ويقرأ نصها ويستخلص منها ما يشاء، لكنه سيكتفي في الغالب الأعم بالتغطيات الصحفية للوثائق، والقضايا التي تبرزها وتركز فيها.
وإذا أردنا أن نلخص الرسائل السياسية التي تم توجيهها عبر هذه الطريقة، فإنها تتمثل باختصار شديد فيما يلي:
1 - إن إيران هي الخطر الأكبر الذي يتهدد المنطقة والعالم بسعيها إلى امتلاك السلاح النووي.
2 - إن المسؤولين في الدول العربية، يشاركون الكيان الإسرائيلي الرأي فيما يتعلق بالخطر الإيراني، وبضرورة مواجهته حتى لو اقتضى الأمر شن الحرب على إيران.
3 - بالتالي، فإن أي حرب على إيران سوف تكون مبررة ومقبولة.
4 - ويرتبط بكل هذا، أن القضية الفلسطينية ومسألة حل الصراع العربي الإسرائيلي، هي مسألة ليست لها أي أولوية، ولا علاقة لها بجوهر الأخطار التي تتهدد المنطقة، وهي مسألة هامشية لا ينبغي أن تستحوذ على كثير اهتمام.
5 - إنه في المحصلة النهائية، فإن الكيان الإسرائيلي رؤاه صائبة إزاء قضايا المنطقة، ولا يستحق أي عقاب او عتاب على أي شيء.
كما نرى، كل هذه الرسائل السياسية تخدم أولا وأخيرا الكيان الإسرائيلي، بل المشروع الصهيوني في المنطقة، ولا يمكن أن تكون هذه مجرد مصادفة بالطبع.
وكي تكتمل الصورة، كان لافتا جدا أنه بعد بدء نشر الوثائق الأخيرة بيوم واحد فقط، أن قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لمحررين إسرائيليين: إن إسرائيل لم تتعرض لأي ضرر على الإطلاق من الوثائق التي نشرها ويكيليكس. وفي اليوم نفسه، قال مسؤول إسرائيلي كبير آخر: "لقد خرجنا من هذه العملية بصورة جيدة جدا. والوثائق أكدت أن الشرق الأوسط كله مرعوب من امتلاك إيران للسلاح النووي".
كما كان لافتا جدا أن أسانج في حوار أجرته معه مجلة "تايم" الأمريكية بعد نشر الوثائق، حرص على الإشادة فقط بنتنياهو. قال أسانج في الحديث إن "نتنياهو ليس رجلا ساذجا، بل هو سياسي محنك، وقد عبر عن موقف ممتاز حين قال إن على قادة العالم أن يتحدثوا في العلن كما يتحدثون في السر، واعتبر أن نشر هذه التسريبات سوف يعزز فرص السلام في المنطقة وخصوصا فيما يتعلق بإيران".
وفي السياق نفسه أيضا نشير إلى ما قاله الكاتب الأمريكي لي روجرز في أحد مقالاته عندما كتب: "من العجيب والمضحك حقا أن الأغلبية الساحقة من الوثائق التي تم نشرها جاءت لتدعم فقط كل الدعاية الصهيونية خلال العقد الماضي، فهذه الوثائق ببساطة تبرر وتدعم أي حرب على إيران، وهو مشروع صهيوني".
أما الكاتب المعروف ألان هارت، فقد وضع القضية على النحو التالي: "لو افترضنا أن زائرا من الفضاء الخارجي أتى إلى الأرض، ودرس الوثائق التي نشرت في أول يومين، ما هي النتائج التي سوف يصل إليها؟.. أعتقد أنه سوف يقول التالي: الرسالة الأساسية واضحة جدا.. إيران هي أكبر تهديد منفرد للمنطقة بأسرها وللعالم، ليس فقط لأن الإسرائيليين يقولون هذا.. القادة العرب يوافقونهم. هذه هي الرسالة الأساسية. أما الرسالة الفرعية، فهي أنه بعيدا عن القادة العرب، فإن قادة الدول الإسلامية الأخرى، وخصوصا في تركيا وباكستان، فإنهم ليسوا موضع ثقة".
ويلخص الكاتب ما يريد أن يصل إليه بالقول: "من الذي استفاد من الوثائق التي نشرها ويكيليكس؟.. الإجابة الواضحة هي، دولة إسرائيل الصهيونية".
ومن المتضرر؟
إذا كان تحديد من هو المستفيد الأساسي من نشر الوثائق أحد المعايير الأساسية للحكم على عملية ويكيليكس وتقييمها، فإن هذا المعيار لا يكتمل إلا إذا حددنا بالمقابل، من هو المتضرر الأساسي، أو بمعنى أدق من كان المستهدف الأول بنشر الوثائق؟
بداية، لا بد أن نشير إلى ما تضمنته الوثائق من مواقف وتصريحات منسوبة إلى قادة أو مسؤولين عرب، أو من دول العالم الأخرى، لا يضيرهم في شيء ولا يؤخذ عليهم في شيء، بغض النظر عن أي إساءة استخدام أو تفسير لهذه المواقف. أسباب ذلك كثيرة.
الكل يعلم أنه في المحادثات الدبلوماسية غير المعلنة بين أي مسؤولين في العالم، أمريكيين أو غير أمريكيين، تجري بالضرورة أحاديث أكثر صراحة ووضوحا من التصريحات المعلنة، ولا جديد في هذا.
الأمر الآخر، وقد أشار إلى هذا الجانب الشيخ خالد بن أحمد وزير خارجية مملكة البحرين في التصريح الذي سبق أن أدلى به، أن هناك فارقا بين ما يجري في المحادثات مع المسؤولين الأمريكيين، وبين ما يكتبه أو ينقله هؤلاء المسؤولون عما جرى في المحادثات. وهذا صحيح تماما. بعبارة أخرى، فإنه حين يجري مسؤول أمريكي محادثات مع مسؤول عربي، ثم يكتب تقريرا بعد ذلك عما جرى، فهو بالضرورة يقدم رؤيته هو وتقديره لما جرى وما قيل، وليس بالضرورة بالطبع أن يكون تقديره صائبا أو في محله. وغير هذا، فإنه فيما نقل مثلا عن قادة أو مسؤولين عرب فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، ليس فيه ما يسيء وليس فيه شيء جديد. حقيقة الأمر أن القادة العرب لم يخفوا يوما قلقهم من البرنامج النووي الإيراني، وهم يقولون هذا علنا وصراحة حتى للإيرانيين أنفسهم.
إذن، من الذي تضرر أساسا من نشر الوثائق؟ وزير خارجية إيطاليا فرانكو فراتيني أجاب عن السؤال باختصار وقال: "الولايات المتحدة هي الضحية الحقيقية لويكيليكس. إنه عمل مقصود به ضرب مصداقيتها". لنلاحظ هنا أن وزير الخارجية الإيطالي لم يحدد فقط الولايات المتحدة كالضحية الأولى لعملية ويكيليكس، لكنه يؤكد أن العملية كان مقصودا بها أساسا تحقيق هذا الهدف بالذات.
وهذه هي حقيقة الأمر بالفعل؛ وهي أن عملية ويكيليكس هذه ألحقت ضررا هائلا وأذى ما بعده أذى للإدارة الأمريكية.
بالطبع، كانت هذه ضربة قاصمة للخارجية الأمريكية والدبلوماسية الأمريكية. ما جرى أفقد كل دول العالم الثقة بالمسؤولين الأمريكيين. يكفي هنا ان وزارة الخارجية الأمريكية قضت الأسابيع الماضية في اتصالات مع المسؤولين في مختلف دول العالم، والاعتذار عما جرى. ويكفي هنا ما رواه بعض كبار المسؤولين الأمريكيين في الفترة القليلة الماضية من أنهم حين اجتمعوا مع بعض المسؤولين في دول أخرى، طلب هؤلاء إخراج من يسجل المحادثات، وعدم تسجيلها. غير أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، هناك ما هو أخطر من هذا بكثير. الذي حدث بمجرد نشر هذه الوثائق أنه تم توجيه ضربة قاصمة لإدارة الرئيس الأمريكي أوباما.. ضربة ليست فقط لمصداقيتها، وإنما أساسا لكفاءتها وأهليتها وقدرتها.
الأمر هنا ببساطة أن ما جرى أظهر إدارة أوباما بالعاجزة عن حماية أمنها هي نفسها، وعاجزة حتى عن مجرد الحفاظ على وثائقها السرية، فكيف يمكن أن تكون بعد ذلك أمينة على أمن أمريكا عموما؟ لنلاحظ هنا أن دفعات الوثائق التي تم تسريبها عن أفغانستان والعراق ثم الوثائق الأخيرة، هي وثائق خرجت من أكبر وأهم وزارتين أمريكيتين: وزارة الدفاع ووزارة الخارجية.
شهادة بريجنسكي
قبل أن أنتقل إلى تقديم قراءة نهائية لعملية ويكيليكس، وفي أي إطار نضعها بالضبط، أرى من المهم أن أقدم شهادة لزبجنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق في عهد جيمي كارتر، ولا يخفى بالطبع ما لشهادته من أهمية، فهو بحكم تاريخه وموقعه لا يمكن أن يتهم مثلا بتبني نظريات مؤامرة لا أساس لها أو ما شابه ذلك.
شهادة بريجنسكي قدمها في حوار تليفزيوني أجراه معه جودي وودراف من شبكة "سي بي اس"، قال: "القضية الحقيقية هي من الذي يقوم بتغذية ويكيليكس بهذه الوثائق؟.. إنهم يحصلون على كثير من المعلومات التي تبدو تافهة وغير ذات أهمية. ولكن بعض هذه الوثائق تبدو محددة جدا ومقصودة تماما. على سبيل المثال، تلك الوثائق التي تشير إلى أن القادة الصينيين يريدون توحيد الكوريتين تحت زعامة كوريا الجنوبية.. هذه المعلومة مقصود بها تحديدا تخريب علاقاتنا مع الصين. ومعلومات أخرى واضح أنه مقصود بها النيل عمدا من مصداقية القادة العرب".
ومضى بريجنسكي يقول: "السؤال هو، هل ويكيليكس يتم استغلاله من جانب قوى وأطراف لها مصالح محددة، وتريد إما تعقيد علاقاتنا مع حكومات أخرى، وإما تريد النيل من بعض الحكومات؟ هذا لأنه كما قلت، فإن بعض هذه المواد التي يجرى تأكيدها تبدو محددة جدا ومقصودة تماما.. وإنني أتساءل في الحقيقة عما إذا كانت هذه العملية تندرج في إطار عمليات دولية. أعني عما إذا كانت أجهزة مخابرات هي التي تقوم بتزويد ويكيليكس بهذه الوثائق".
وأضاف بريجنسكي: "... وغير هذا، فإن عملية "زرع" الوثائق أمر سهل جدا .. ليس لدي أدنى شك في أن ويكيليكس يحصل على الكثير من المواد من مصادر غير مهمة نسبيا. ولكنه قد يكون يحصل على مواد في الوقت نفسه من جهات مخابراتية لها مصالح محددة ويريد استغلال العملية، ويسعى إلى تحقيق أهداف وغايات محددة بعناية شديدة".
هذه هي شهادة بريجنسكي، ولا أحسب أنها بحاجة إلى أي تعليق.. كما نرى، سواء من حيث انتقاء الوثائق التي يتم نشرها، وسواء من حيث الرسائل السياسية المحددة التي تحملها وتوجهها عن عمد، وبشهادة المحللين، فإن كل الطرق تقود إلى الكيان الإسرائيلي وإلى الموساد الإسرائيلي..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.