جاء في موسوعة "ويل ديورانت" قصة الحضارة في الجزء الثامن والثلاثين «ص 170» أنه في الساعة التاسعة وأربعين دقيقة من صباح أول نوفمبر من عام 1755م وصادف ذلك اليوم مع عيد (كل القديسين) عندما هزّت الأرض كتفيها في البرتغال وشمال أفريقيا وفي ست دقائق تهدمت ثلاثون كنيسة وألف منزل ومات خمسة عشر ألف إنسان، وأصيب مثلهم بإصابات خطيرة في لشبونة عاصمة البرتغال، وكانت واحدة من أجمل عواصم العالم يومها في منتصف القرن الثامن عشر التي نقلت إليها الكنوز المنهوبة من أمريكا الجنوبية والشرق الأقصى على يد القراصنة البرتغال الاستعماريين. وبدأ الناس يقلبون أيديهم ويحاولون تفسير ما حدث، فأوضح أحد اليسوعيين البرتغاليين هو "مالاجريدا" أن الزلزال وما أعقبه من أمواج عاتية مدمرة كان عقاباً من الله على الرذيلة التي استشرت في لشبونة. ولكن الزلزال في الوقت الذي قضى على القساوسة المتبتلين والراهبات المتفانيات في الخدمة وفر ألد أعداء اليسوعيين وهو "دارسيا ستيو دي كارفالو" فلم يمت، وقام يشمت بالكاثوليك، حيث لا يجوز الشماتة بالميت، ولا يمكن وصف الناس في مراقص باريس الذين لم يشعروا بالزلزال أنهم نجوا لأنهم كانوا من الصالحين. كما أن أهل المغرب هللوا للحدث واعتبروه انتقاماً إلهياً من محاكم التفتيش في البرتغال، ولكن الزلزال لم يعفِ المغرب، فهدم المسجد المنصور وكان أعظم مسجد في الرباط. أما البروتستانت خصوم الكاثوليك فقد شمتوا فيهم وقالوا في لندن إن هذه الكارثة هي استنكار السماء لجرائم الكاثوليك ضد الإنسانية. وأعلن "وليم روبرتون" أن مذبحة لشبونة “أبرزت عظمة الله في أبهى صورها”!!. أما "جون ويزلي" الواعظ فقد تحدث عن أسباب الزلازل، وقال: «إن الخطيئة هي السبب المعنوي للزلازل مهما كان سببها الطبيعي، وهي نتيجة اللعنة التي صبّتها على الأرض خطيئة آدم وحواء الأولى». ولكن الجواب عن هذا التفسير جاء بعد 18 يوماً من زلزال لشبونة، حيث ارتجت الأرض بأشد في الطرف الآخر من الأطلنطي في أمريكا في 19 نوفمبر فدمّر الزلزال خمسة عشر ألف بيت ويزيد في مدينة بوسطن حيث موطن الحجاج والبيورتانيين (المتطهرين). وحتى فولتير وقف مذهولاً أمام فظاعة الحدث ولكنه استشاط غضباً من سخف التفسيرات، وكتب يقول في ذروة الحزن: “أيها الحكماء الحمقى الذين ينادون بأعلى صوت كل شيء حسن تعالوا وتأملوا هذه الخرائب والأطلال الرهيبة وهذا الحطام وأشلاء ورماد وجثث بني جنسكم” لينتهي إلى القول: «ولكن أي جريمة ارتكب هؤلاء الأطفال الذين اغتالهم الزلزال وسالت دماؤهم وهم في أحضان أمهاتهم، وهل كانت رذائل لندن أو باريس أقل من رذائل لشبونة، ومع ذلك دمرت لشبونة وباريس ترقص؟!». أما "جان جاك روسو" فاعتبر أن ما تعانيه الإنسانية من علل وشرور إن هو إلا نتيجة لأخطاء البشر، وإن زلزال لشبونة هو عقاب عادل للإنسان لتخليه عن الحياة الطبيعية وإقامته في المدن، ولو أن الناس التزموا الحياة البسيطة في مساكن متواضعة لما حصل كل هذا الدمار. أما الفقهاء عندنا فقالوا مع زلزال هايتي وآيسلندا إن الله استشاط غضباً في ذلك اليوم مثل آلهة الأولمب، فبصق ناراً على هؤلاء المقرودين!!.