تتجذر بعض المصطلحات والمفاهيم في منظومة وعينا الجمعي, مما يجعلها في حالات نمو فتعد من المسلمات, التي تشكّل عند المتلقي قاعدة مسورة وحكماً باتاً, مما جعل لتلك المفاهيم حجة ترتقي إلى مستوى المسلمة, ولعل هذا ما دفع صديقي العزيز عادل إلى أن يتوقف أمام مفهوم صار له ضجيج وحضور غير طبيعي, وكإفراز انفعالي من إفرازات أحداث 11 سبتمبر وشكل من أشكال الترهيب الموجهة لشعوب العالم. ( من ليس معي فهو ضدي), فجُيّرت هذه المقولة لعلاقات وسلوكيات أخرى وأضفي عليها طابع التأصيل والحكمية, كأن العالم كان ينتظر طفرة أيديولوجية يقودها معتوه يقفز في لحظة هستيرية ليشرّع لحياة الناس, قانوناً آخر في منظومة الصراع العقيم.. هذه المقولة استفزت صاحبي كثيراً فقال هذه العبارة ليست على وجهها الصحيح, ولتكن أكثر ديناميكية وإيجابية هكذا “إن لم تكن ضدي فلست معي”, لعل هنا نجد وجهها المقبول والإيجابي. إن الضدية التي ينشدها صاحبي هنا هي ضدية التصويب وضدية تصحيح الخطأ والنقد كمسلمة حياتية لا تستقيم الحياة إلا بالمراجعة والتصويب والتقييم, أم أن يتحول العالم إلى صوت واحد واستلاب وتبعية فإنها من الترهل, فأنت إن أردت أن تكون معي القطب الآخر للبناء فليكن صوتك تلويناً لصوتي. إن حالة العبودية الفكرية والحياتية التي تفرضها تلك العقليات المشوهة بإلغاء الآخر أي كان, في حين أن الآخر هو أنت في البعد غير الممكن لك في الجانب المهمل والمنسي من وجودك, وفي مستوى إدراكي وسلوكي للذي لم تصل إليه بعد, أو قد لا تصل إليه في حياتك.. إن الفرعونية التي تسري في أوصال التواصل الإنساني والحضاري فتلغي الآخر ولا يكون إلا تجسيداً لفلسفة (ما أريكم إلا ما أرى) والتي لا تصنع تحقيقاً فعلياً للوجود الإنساني, الذي يقوم في أساسه على الاختلاف والتباين, فمن أقصى الاختلاف يتوالد الإبداع ويتخلق الانسجام المثير في هذا الكون, فبأضدادها تعرف الأشياء.. إن حالة الغيبوبة التي يقاتل المشوّه لإرسائها, والتبعية المعرفية والسلوكية التي ينشد تكريسها, تسير في حركة انهيارية متسارعة تحطم المغيب ابتداءً ومن ثم المغِيب والمجتمع والوسط الذي نمت فيه هذه الطحلبيات, مع أن الأنظمة السياسية والدينية أكثر سطوة في إغراق مسيرة الشعوب بهذه الفكرة العاجزة, ولكن من أين لهذه العاجزة بتلك الطاقة التي تلتهم فكر أولئك السدنة الذين يترهبون في مستنقعها؟ وبسعيهم المجنون نحو الإمعية؟ هل هو البحث عن الخلود لأصحاب تلك الأفكار حتى يحافظ على تكراره وتكرار سلوكه وفكره في مئات وآلاف المغتصبين إدراكياً وثقافياً, في رحلة تناسخ مقيت ومرعب يجعل المجتمعات تعيش الماضي والمتحلل بشكل بكتيري إنساني, أم هو الخوف من أن تتشقق مهابة السياسي وقداسة الديني فتكرس مفاهيم الضدية والصراع العقدي في محاولة مجنونة لتغييب العقل الإنساني وإحالته إلى الهامش, فيكون الكل في الواحد الفرد, أو في الفكر الفرد أو في النظام الفرد, وهنا يكون قد حكم على المجتمع بالموت الحضاري, وما انهارت أمم وشعوب إلا حين تسلطت الفردية على مسيرتها، فاختفى التنوع ومات الإبداع. إن الضدية التي يجب أن تسود في حياة المجتمعات لكي لا تتجرثم هي ضدية إعادة إنتاج الصواب والجمال والإبداع, ولو كانت بعملية جراحية, وليكن المسلم مرآة أخيه فيصوب له أخطاءه ويساعده على تجاوز حالات الضعف والانهيار الفردي, فالحياة تدار بالمجموع, وليس بالفرد, فكن معي كي أعيش بضديتك النبيلة.