من أطلق على الصحافة مهنة المتاعب أصاب كثيراً، لأن متاعبها فعلاً كثيرة وتولِّد لدى ممتهنيها الكثير من الضغوطات والمشاكل, لدرجة أن أغلب العاملين في مجال الصحافة لو أتيحت لهم فرص عمل أخرى في غير هذا المجال لفضلوها على العمل في الصحافة, التي تستنزف كل وقتهم وجهدهم وصحتهم دون فائدة. أحد الصحفيين الأمريكيين أسس موقعاً إلكترونياً أسماه موقع “الصحفي الغاضب” (angryjournalist.com), وذلك بعد إفلاس كبريات الصحف العالمية جراء الأزمة المالية, التي عصفت بالعالم وخسارة آلاف الصحفيين, الذين كانوا يعملون فيها لوظائفهم، وقد خُصص هذا الموقع من أجل توفير متنفس للصحفيين للتعبير عن سخطهم وغضبهم على مؤسساتهم أو مسئوليهم في العمل بعد فقدانهم لوظائفهم واتجاههم للعمل في قطاعات بعيدة كل البعد عن الصحافة. استوحى مؤسس الموقع فكرته من دراسة أمريكية حديثة حول الصحفيين, الذين تم تسريحهم من العمل، هذه الدراسة بينت أن “31 %” من الصحفيين الشباب تحت سن 34 عاماً أعربوا عن نيتهم ترك هذه المهنة، وأنه من بين 223 صحافياً هناك 36 % منهم يرغب بترك مهنة الصحافة لأسباب مالية، و27 % بسبب التهام المهنة للوقت، و19 % بسبب التوتر والضغوطات، و13 % لأسباب عائلية، إضافة إلى أن بعضهم يفضّل أن يبقى صامتاً حيال وضعه المهني السيء؛ كي لا يخوض في مشاكل كبيرة مع مسئول الصحيفة التي يعمل فيها. الموقع يستقبل زواره بسؤال واحد فقط وهو: “لماذا أنت غاضب اليوم؟! أخبرنا ما الذي يجعلك غاضباً من عملك الصحفي؟!”، ثم يترك لهم حرية التعبير عن مشاعرهم والتنفيس عن مشاكلهم، فكانت أغلب الإجابات على هذا السؤال تتركز في أن سبب الغضب هو الأوضاع المتردية للصحفيين، وأن أهم المشاكل الجوهرية التي يواجهها الصحفيون هي أنهم لا يستلمون رواتب جيدة ويعملون أكثر من اللزوم ويتجاهلهم المجتمع، وبعضهم يقول: “إنها باختصار مهنة المتاعب”، وبعضهم يتساءل: “هل يحق للصحفي أن يغضب؟ أحياناً لا يُسمح له أن يغضب، أي أن يؤدي عمله ويكتب وكأنه آلة ميكانيكية لا أكثر ولا أقل”. طبعاً هذه الشكاوى من تردي أوضاع الصحفيين تحدث في الولاياتالمتحدةالأمريكية، فكيف هو حال الصحفيين في بلادنا؟ وماذا لو كان لدينا موقع مماثل للصحفيين في بلادنا؟!، بالتأكيد سوف يعجز الموقع عن استيعاب كل المشاكل والمعاناة الناتجة عن الوضع المعيشي السيء الذي يعيشه معشر الصحفيين في بلادنا, والفاقة التي يعانون منها، فهم أكثر من يعانون من التوتر والضغوطات والمشاكل الصحية والنفسية, فلا رواتب جيدة ولا أوقات مناسبة للعمل ويعملون لأوقات متأخرة دون أن يحظون بمقابل مجزٍ لهذا العمل المجهد والمضني، بالإضافة إلى أنهم أكثر عرضة للضعف الجسدي وضعف نظام المناعة بسبب قلة الحركة وعدم الانتظام سواء في ساعات النوم أم في تناول الطعام، كما لا يحظون بأي احترام وتقدير لمهنتهم داخل المجتمع. ويبدو أن الأوضاع المعيشية المتردية للصحفيين في بلادنا ستظل على حالها إلى ما شاء الله وليس هناك أي أمل لتحسينها ومنحهم المزايا التي تتناسب مع ما يقومون به من عمل إبداعي وذهني بعد أن تم وأد مشروعي الكادر الصحفي والتوصيف الإعلامي اللذين ظلا مجرد حلم راود الصحفيين لسنوات خلت, فمات الحلم وماتت معه كل الآمال بالنهوض بأوضاع العاملين في مهنة المتاعب!!. [email protected]