وكأن أخطار “مهنة المتاعب” ليست كافية ليجد الصحفيون أنفسهم ضحية الأزمة السياسية الراهنة التي تكاد تعصف بالبلاد، فصاروا بين فكّي كمّاشة وفق سياسة “إما معنا أو ضدنا”، حيث عمل طرفا الصراع السياسي القائم على إقحام الصحفيين فيما لا ناقة لهم فيه ولا جمل، والنتيجة كانت أن تزايدت مؤخراً عمليات استهداف الصحفيين بالقتل أو التهديد والترهيب أو الاختطاف والاحتجاز لمنعهم من القيام بواجبهم في نقل الحقيقة وإظهارها.ما دفعني لطرح هذا الموضوع هو ما يحدث في ظل الأوضاع الراهنة من تفاقم الاعتداءات على الصحافيين أو المؤسسات الصحفية من قبل البعض الذين باتوا ينظرون إلى الصحافة كخصم وأصبحت معها مهنة الصحافي ليست مهنة المتاعب، وإنما مهنة المخاطر المجهولة، الأمر الذي أجبر الصحافيين وفرض عليهم العيش في خوف مستمر على حياتهم وحياة أسرهم، حيث شاعت مؤخراً عمليات استهداف الصحفيين وأضحت تتواتر بشكل يومي، وآخر هذه الاعتداءات التي تأتي ضمن قائمة طويلة منذ بداية الأزمة الراهنة إحراق استوديوهات قناة السعيدة بصنعاء، وأيضاً ترهيب الزميل العزيز راسل القرشي، نائب رئيس فرع نقابة الصحفيين بتعز، رئيس تحرير صحيفة تعز الذي تم إطلاق وابل من الرصاص على سيارته وهي واقفة أمام منزله، ولم يكتفِ منفذ الاعتداء بذلك بل قام بتهديده بالتصفية الجسدية في اليوم التالي للحادث. إن أقل ما توصف به هذه الممارسات الإجرامية بحق الصحفيين هي أنها إرهاب بحق مدنيين عُزل، لا تهمة لهم سوى أنهم يسعون إلى نقل الحقيقة، لا كما يسعى البعض إلى طمسها أو إخفائها وتزييف الواقع، إنهم رُسُل الكلمة الصّادقة الذين يغامرون بحياتهم من أجل الحقيقة، يواجهون الموت يومياً في سبيل هذه الحقيقة ويدفعون الثمن باستمرار من حياتهم وحياة أسرهم. أبشروا يا من تتحسسون من الصحافة والصحافيين وتنظرون إليهم كخصم فقد أفادت دراسة طبية حديثة بأن الصحفيين هم أكثر الناس عرضة للوفاة المبكرة بسبب السرطان خاصة الذين يدخنون بشراهة ويتبعون أسلوب حياة يميل إلى قلة الحركة ويعانون من عدم انتظام ساعات النوم، حيث أشارت الدراسة إلى أن “أغلب العاملين في المجال الإعلامي صحتهم ليست في أفضل الأحوال مما يعني أن حالتهم الصحية العامة سيئة حتى على الرغم من أنهم ليسوا مصابين بأمراض معينة”. وبينما تتوقع الوكالة الدولية لأبحاث السرطان ارتفاع حالات الإصابة بالسرطان على مستوى العالم خلال العقدين الحالي والمقبل أي بحلول العام 2030م إلى الضعف بسبب التدخين، وأن النسبة الأكبر من الإصابات ستتركز في دول العالم الفقيرة ذات الموارد المحدودة أو المتوسطة والتي لا تتمتع ببنية طبية ملائمة، فإن قلة الحركة تحد من فاعلية الجسم في أداء وظائفه، وهو ما يؤدي إلى تراكم أنواع لا حصر لها من السموم داخل جسم الإنسان، وفي مقدمتها الكوليسترول الذي يضاعف مخاطر تصلب الشرايين الناجمة عن التدخين. أي في المحصلة النهائية يُشكل التدخين وقلة الحركة والإجهاد الذهني وعدم انتظام ساعات النوم وصفة حقيقية للوفاة المبكرة، وهي صفات بعضها أو كلها تلازم أغلب الصحفيين في بلادنا، فدعوا الصحفيين يتمتعون بأعمارهم القصيرة ويعبرون عن آرائهم بحرية، ولا تتعبوا أنفسكم وتتكبدوا مشقة وعناء ملاحقتهم وتهديدهم وإرهابهم وقتلهم لأن السرطان سيتكفل بهذه المهمة وسيقصف أعمارهم باكراً وستتخلصون منهم دون أن يكلفوكم شيئاً. في الغرب يصفون مهنة الصحافة بأنها “ أجمل مهنة في العالم”.. حيث يُمنح المشتغل فيها فرصاً ذهبية للسفر والتعرف على الناس والبلدان، ودخول مناطق وأماكن يصعب على من ليس صحفياً الوصول إليها، كل ذلك في ظل توفر الحرية السياسية والاستقلال المهني، والحماية القانونية التي تمنع استغلال الصحفي من قبل أي طرف أو ابتزازه للحصول على مواقف معينة، أما في الدول النامية فإن وصفها بمهنة المتاعب لا يمثل وصفاً دقيقاً لأنها أصبحت مهنة خطيرة بشكل متزايد، بل هي أخطر مهنة في العالم، خاصة مع تفاقم الاعتداءات على الصحفيين وملاحقتهم والتربص بهم وإرهابهم وقتلهم واستهدافهم سواء في أماكن عملهم أو في منازلهم وهي أعمال لا نجدها إلا في البلدان النامية في ظل الأوضاع المعيشية المتردية وعدم وجود الحماية الكافية، والطامة الكبرى هي أن الوعي الجماهيري في هذه البلدان معظمه ضدّ الصحفيين، لأن الرأي العام يتعامل مع الإعلاميين على أساس قُربه أو بُعده من ذلك الحزب أو ذاك. [email protected]