في ظل مجتمع المعلومات واقتصاد المعرفة ، لم يعد الإبداع والابتكار ترفاً، بل أصبح شرطاً أساسياً من شروط بناء وتنمية المجتمع. ويبدو عالمنا العربي في حاجة ماسة إلى تشجيع الإبداع وتوظيفه في مجالات التنمية من أجل التصدي للتحديات الجسام التي يواجهها. والمبدعون في مختلف المجالات في بلادنا خاصة وفي العديد من دول العالم العربي بشكل عام لا يجد معظمهم من يرعاهم ويشجعهم رغم تعدد الجهات المختصة الرسمية والخاصة التي تدعي في أهدافها أنها تشجع وترعى الموهوبين والمبدعين . ولأن الجامعات اليوم يمكن أن تشكّل واحة للإبداع والابتكار ومصدراً مهماً لإبراز وتخريج المبدعين والمبتكرين في مختلف التخصصات والمجالات العلمية والتطبيقية والاجتماعية إذا ما أدركت هذه الجامعات جيداً رسالتها الحقيقية المطلوبة في العصر الحديث ودورها الهام في خلق ونشر ثقافة الإبداع والابتكار ودعم ورعاية المبدعين والمبتكرين . لذلك سأركز اليوم في هذه المقالة على موضوع الإبداع والابتكار في جامعاتنا اليمنية ومدى دعم وتشجيع ورعاية هذه الجامعات للإبداع والمبدعين والمبتكرين من أبنائها سواء كانوا من أعضاء هيئة التدريس أم الطلاب والطالبات والباحثين في هذه الجامعات . إن الجامعات اليمنية اليوم وخصوصاً الجامعات الحكومية أصبحت مستودعات لخريجي الثانوية العامة المتنامي عددهم كل عام وأماكن للتلقين والحفظ لجرعات من النصوص والمعارف النظرية والعملية البعيدة معظمها عن مواكبة متغيرات وتطورات العصر ومتطلبات سوق العمل حيث تفتقر معظم هذه الجامعات لأبسط مقومات ومتطلبات إنتاج ونشر ثقافة الإبداع والابتكار في بيئتها الداخلية والخارجية. فالبرامج الأكاديمية والمقررات الدراسية في العديد من كليات وأقسام هذه الجامعات متقادمة لا تواكب تطورات العصر أو متطلبات واحتياجات سوق العمل من المعارف والمهارات في مختلف المجالات والتخصصات وبعض أعضاء هيئة التدريس في العديد من التخصصات والأقسام العلمية بالجامعات اليمنية يفتقرون إلى العديد من المهارات الحديثة في الأداء التدريسي والبحثي واستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة في أدائهم الأكاديمي وتعاملهم مع الطلاب والباحثين فكيف يمكن لهؤلاء أن يبدعوا أو يبتكروا علمياً وبحثياً أو أن يخرجوا مبدعاً ومبتكراً من طلابهم والباحثين لديهم , لأن فاقد الشيء لا يعطيه . كما أن الاهتمام بالأنشطة الطلابية المختلفة في جامعاتنا ضعيف رغم وجود ميزانيات وإدارات متخصصة بالأنشطة الطلابية في كل الجامعات اليمنية والكليات المختلفة فيها , ويدفع كل طلاب جامعاتنا اليمنية سنوياً رسوم أنشطة لكنهم للأسف الشديد لا يلمسون في الواقع تواجداً وانتشاراً لهذه الأنشطة الطلابية الجامعية الهامة التي يمكن أن تشكل متنفساً لهؤلاء الطلاب لنشر إبداعاتهم وابتكاراتهم العلمية والثقافية والفنية والرياضية والتكنولوجية .. الخ . كما تفتقر معظم جامعاتنا للأماكن والمنشآت والتجهيزات والوسائل والأدوات المناسبة لممارسة مختلف الأنشطة الطلابية , هذا بخلاف افتقار العديد منها للأماكن والوسائل المناسبة لأداء الخدمات التعليمية من قاعات محاضرات مجهزة بأحدث الوسائل التعليمية ومعامل ومكتبات ووسائط الكترونية ومصادر معلومات ..الخ. فكيف تنتج جامعاتنا طالباً مبدعاً ومبتكراً في مجال تكنولوجيا المعلومات أو الفيزياء على سبيل المثال وهو لا يجد معملاً للحاسوب أو الإنترنت أو الفيزياء مزوداً بالأجهزة والأدوات الحديثة في كليته , أو مصادر حديثة للمعلومات في مكتبة كليته أو جامعته أو أستاذاً يشجعة وينمي مهاراته وإبداعاته ,أو بيئة جامعية محفزة ومشجعة للإبداع والابتكار . وختاماً يمكنني القول: أن أول مقومات أو متطلبات نجاح جامعاتنا اليمنية في نشر ثقافة الإبداع والابتكار ودعم ورعاية المبدعين من أساتذتها وطلابها من وجهة نظري يتمثل في ضرورة إدراك القيادات العليا الإدارية والأكاديمية في مؤسسات التعليم العالي والجامعات اليمنية والجهات ذات العلاقة بها بأهمية الإبداع والابتكار في تنمية وتقدم الأمم والشعوب والمجتمعات ودور الجامعات اليوم في خلق ونشر ثقافة الإبداع والابتكار, وإيمانهم الكامل بأن اهتمامهم ودعمهم ورعايتهم للإبداع والمبدعين في الجامعات سيكون له مردوده الايجابي لهم شخصياً ولجامعاتهم ووطنهم وأمتهم ..وعلى القيادات العليا في جامعاتنا اليمنية أن تدرك جيداً أننا نعيش في ظل عالم قربت العولمة والتكنولوجيا بين إرجائه فأصبح بمثابة قرية واحدة . ومن المؤكد أن في هذه القرية العالمية من يهتم ويشجع ويدعم الإبداع والابتكار وبالتالي فإن تجاهل هذه القيادات للمبدعين من أساتذة الجامعات أو طلابها وعدم الاهتمام بهم أو حتى محاربتهم .لا يمكنه إيقاف مسيرة الإبداع والابتكار وإحباط وقهر المبدعين في عالم اليوم . لأن المبدع الذي يجد أبواب مكاتب قيادات الجامعة مغلقة في وجهه اليوم سوف يتجه إلى محرك البحث جوجل Google على شبكة الإنترنت يبحث في أرجاء القرية الكونية عن من يقدر إبداعاته ويهتم به ويأخذ بيده لتطوير وتنمية مواهبه وإبداعاته ولا شك أنه سيجد ما يبحث عنه والشواهد على ذلك كثيرة فهناك العديد من المبدعين والمبتكرين في وطننا اليمني والعربي في شتى المجالات لم يجدوا من يدعمهم ويرعى إبداعاتهم وابتكاراتهم داخل جامعاتهم وأوطانهم . لكنهم وجدوا كل الدعم والرعاية والاهتمام خارج أوطانهم ..فهل آن الأوان لأن تصبح جامعاتنا اليمنية أرضية خصبة تنمو وتترعرع فيها شجرة الإبداع والابتكار لتثمر العديد من المبدعين والمبتكرين الذين يسهمون بفاعلية في تحقيق التقدم والتطور والنمو لجامعاتهم ومجتمعاتهم . * أستاذ التسويق المساعد جامعة تعز [email protected]