كثيراً ما اتهمت مؤسساتنا التعليمية بعدم المواكبة وبأنها أصبحت تفرّخ أجيالاً لا تتسلح بالعلم والمعرفة وإنما بمعلومات مجوفة لا سبيل إلى ترابطها، وهذا يقودنا إلى مركزية التعليم في عملية التنمية الشاملة، وفي القلب منها الدور المحوري للمعلم كصانع للأجيال وحجر الزاوية في معادلة التنمية والتعليم. والحقيقة أنه ليس كافياً التوسع الأفقي والرأسي في عدد المدارس ما لم يترافق ذلك مع الإعداد الصحيح للمعلم, لأنه حامل شرارة التنمية والمسؤول عن صياغة عقول ووجدان الأجيال التي ستنطلق إلى مختلف مجالات التنمية مستقبلاً. وليس صدفة أن نجد العالم المتقدم يعتني بهذه الشريحة من المجتمع وبتأمين ظروفها المعيشية، ووصل بالبعض إلى توفير حصانة للمعلم باعتباره دينامو العملية التعليمية. لقد قطعت بلادنا شوطاً لا بأس به في مسألة إعداد المناهج وتنقيتها من رواسب الماضي, وهذه خطوة قاصرة إذا لم تتزامن مع محاربة ظاهرة التسرب من المدرسة وتطبيق مبدأ التعليم الإلزامي والمجاني, وتفعيل دور الموجهين, وإعادة صياغة فلسفة التعليم بما يتناسب مع التغيرات في الحقل التربوي والمستجدات العالمية باعتبار التعليم مجالاً حيوياً واستراتيجياً. إن بقاء التعيين في إدارة المدارس مرهوناً بالمحسوبية يشكل خطراً فادحاً لا يضر بحقل التعليم فقط وإنما يشوّه عملية التنمية برمتها، ولذا لا مناص من خلق ثقافة الكفاءة والشفافية وتطبيق المعايير العلمية عند اختيار مدراء المدارس ومدراء التعليم بالمديريات. لقد آن الأوان لإجراء مراجعات جذرية وشاملة وفك الارتباط بين الحزبية والتعليم حتى نضمن جيلاً متسلحاً بالمعرفة العلمية وليس بالشحن الأيديولوجي, وبقدر تقييمنا السليم لهذا المجال فإننا سننجح برفد عملية التنمية ونضمن مخرجات قادرة على المنافسة في سوق العمل وجيلاً متسلحاً بالقيم الأخلاقية وبالولاء الوطني. لقد أسرفنا كثيراً في تحبيط الشباب, وضيّعنا فرصاً ثمينة, وأجهضنا تطلعات مشروعة للأجيال، بقدر إعاقتنا للنمو العام ووقف عجلة التطور وذلك حينما همّشنا دور التعليم المركزي وقلصنا ميزانيته لحساب قطاعات أخرى ثانوية. المطلوب اليوم هو استدراك هذا القصور وإجراء التقييم العلمي للعملية التعليمية برمتها, ولا بأس من الاستعانة بخبراء عرب وأجانب لإعادة تنشيط هذا القطاع الهام بالتزامن مع غربلة المناهج ورفع ميزانية التعليم والاهتمام الكافي بتدوير الوظائف فيه بما يعزز روح التجديد ويبث نفساً ودماءً جديدة في منظومة التعليم ككل, وهذا يحتاج إلى إخلاص النية والتحلّي بروح المسؤولية كل من موقعه وبقدر صلاحياته وإمكانياته.