في عام 1924م استطاع طبيب ألماني هو هانس بيرجر أن ينتبه إلى دراسة كهرباء الدماغ, فعمد إلى صبي لفّ رأسه بلفافة فضية أوصلها بأسلاك كهربية ثم بدأ بالإصغاء إلى ما يقوله الدماغ. ولدهشته فقد اكتشف أن الدماغ بحر لجّي تتكسر أمواجه على شواطىء الجمجمة فنسمع طرفاً من موسيقاه الخفية. ثم اكتشف أن هذه الموجات شتى فمنها البطيء ومنها السريع على أربع أنغام “ألفا وبيتا وتيتا” وأخرى. ولكن الأعجب هو ما اكتشفه الأمريكي ناثانيل كلايتمان ومساعدوه أويجن أسيرنسكي وويليام ديمنت عام 1953م عن حركة عجيبة للعينين وبسرعة وفي لحظات بعينها مع أجفان مغلقة وكأن النائم يحدّق في شيء, حيث لا يرى ويبصر. ثم قام العلماء بمقارنة مخطط الدماغ الكهربي مع حركات العينين السريعة ليميطوا اللثام عن عالم جديد نعيشه هو عالم النوم. كنا نظن أن النوم هو راحة للدماغ, وأن النوم لا يعني الحلم لكل واحد, وأن الدماغ ينام على نحو واحد من الغيبوبة, وتبين أن الثلاثة خطأ. فالدماغ يعمل وهو في النوم سوى أنه يحوّل نشاطه من مستوى إلى آخر مثل من كان يركض فبدأ يتسلق الجبال. والحلم هو حقيقة لكل الناس, ولو لم ير البعض أحلاماً وهي ميزة لكل الكائنات بما فيها القطط. وثبت أن أعظم عذاب للإنسان هو حرمانه من النوم, وهو ما روي عن حسن الهضيبي أنه تعرض لتعذيب من هذا النوع على يد الجلادين, ولم ينجه سوى نومه المتقطع مع وقت تبديل جلاد لآخر!!. وثبت ثالثاً - وهو العجب - أن الدماغ يسبح في النوم في معارج منوعة مثل من يمشي في معرض من جناح إلى آخر. والقصة على الشكل التالي, فنحن حينما ننام ندخل في دورات حوالي أربع أو خمس في كل ليلة, وفي كل دورة ننام حوالي سبعين إلى تسعين دقيقة فتكتمل الدورة. ونفس الدورة الواحدة المكررة مرات تتكون بدورها من حلقات متدرجة نزولاً إلى العمق في أربع مراحل, بحيث إن الناظر إلى مخطط الدورات يرى أمامه أنها أشبه بموجات البحر فعلاً. وعندما ندخل النوم ننحدر بسرعة ويمسك بنا العمق وكأنه الموت, وهو ما عناه القرآن الله يتوفى الأنفس في منامها والدورة الأولى يكون النزول إلى قاع اللا وعي حاداً وطويلاً خلاف الدورات الأخرى التي تقصر المرحلة الرابعة القريبة من القاع والموت. وعندما يخرج الإنسان من الدورة الواحدة يحصل أعجب الأمور, حيث يدخل في مرحلة الحلم, وهي تستغرق في العادة عشر إلى عشرين دقيقة تتكرر مع كل دورة وفيها تتحرك العينان وينتصب القضيب عند الذكور دون أحلام جنسية, وفيها تسبح الروح فترى عالماً جديداً وكأن حركات العيون بحث عما افتقدته في النهار لتجده في ظلمات المنام. وبعد أربع إلى خمس دورات يكون الإنسان قد حلم أكثر من ساعة, ولكن من يتذكر هو من يوقظ أو يستيقظ لفترة قصيرة. وأنا من النوع الذي يرى المنامات بكثرة خلافاً لمن حولي, ليس لأنهم لا يرون بل لأنهم يستغرقون في النوم فتفوتهم هذه الرؤى المدهشة التي تحفظها الذاكرة.